أطلق البنك المركزي الأوروبي ECB عملية مراجعة موسّعة ستنظر في مجموعة عريضة من سياساته بنهاية العام الجاري، 2020؛ إذ إنَّ البنك، بقيادة رئيسته الجديدة كريستين لاغارد، سوف يحاول تحديد السبب وراء فشل حوافزه النقدية في تحقيق هدف منطقة اليورو Eurozone المتمثل في إيصال معدّل التضخم إلى 2% تقريباً. يُذكر أنَّ لاغارد أفصحت عن بعض التفاصيل، وأشارت إلى أنَّ البنك المركزي الأوروبي سيواصل شق طريقه نحو ذلك الحدّ؛ إذ أبقى مجلس إدارة المؤسسة معدل الفائدة الرئيسي تحت الصفر وتعهّد بمواصلة ضخ المليارات إلى الاقتصاد الأوروبي.
البنك المركزي الأوروبي يُبقي سعر الفائدة عند أدنى معدلاته: -0.5%
قرر البنك المركزي لمنطقة اليورو، خلال اجتماع مجلس إدارته يوم الخميس، 23 يناير/ كانون الثاني 2020، إبقاء سعر الفائدة القياسي على الودائع، أو سعر الفائدة الذي يُفرض على البنوك عند احتفاظها بالأموال لدى البنك المركزي الأوروبي، بالسالب. جرى اعتماد سعر الفائدة البالغ -0.5%، الذي يُعد معدل قياسي على الإطلاق، في شهر سبتمبر/ أيلول 2019 حين أعلنت المؤسسة المالية أيضاً عن إعادة تشغيل برنامج التحفيز الخاص بها.
كذلك، فإنَّ عملية الشراء الشهرية لسندات بقيمة 20 مليار يورو (22 مليار دولار أميركي) التي بدأت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، سوف تستمر إلى أجل غير مسمى؛ إذ إنَّ جهود التيسير الكمي هذه عبارة عن التزام مفتوح بضخ المزيد من الأموال في النظام، نظراً إلى أنَّه يكافح لإبقاء معدل التضخم فوق 1%. كان البنك المركزي الأوروبي قد بدأ شراء السندات في مطلع عام 2015، وأنفق ما يزيد على 2.6 تريليون يورو (2.8 تريليون دولار أميركي) في البرنامج السابق، الذي انتهى في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018.
صحيح أنَّ كريستين لاغارد ذكرت وجود “زيادة متوسطة في معدل التضخم الأساسي” وقالت إنَّ المخاطر السلبية للتوقعات الاقتصادية في منطقة اليورو “صارت أقل وضوحاً إلى حد ما”، إلا أنَّ وكالة بلومبرغ الإخبارية Bloomberg نقلت عنها تصريحات أفادت فيها أنَّ السياسة النقدية لابد أن تبقى “ميسّرة للغاية” وأنَّ على الحكومات التي بمقدورها زيادة الإنفاق أن تكون مستعدة لفعل ذلك.
يعود الفضل في الجوانب الاقتصادية المحسّنة إلى هدوء حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، حيث إنَّهما وقّعا معاً صفقة تجارية مبدئية. غير أنَّ العاصفة لم تمر بعد بالنسبة للاتحاد الأوروبي: ففي يوم الأربعاء 22 يناير/ كانون الثاني 2020، حذر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum في دافوس أنَّه لو لم تُعقد صفقة مع الاتحاد الأوروبي، لن يجد بداً من فرض “تعريفات جمركية باهظة للغاية” على السيارات والواردات الأوروبية الأخرى.
لذلك، فإنَّ واضعي السياسات لدى البنك المركزي الأوروبي مصممون على التأكد من أن تبقى تكاليف الاقتراض للشركات في الاتحاد الأوروبي بمعدلاتها الحالية أو أن تقل عنه أكثر حتى. ومن المرجح أن يستمر هذا الموقف والوضع الراهن إلى أن تقارب توقعات التضخم النسبة الهدف المتمثلة في 2%، حسبما أفادوا، بينما سيُمارس التيسير الكمي في المستقبل القريب، لكن ما من أحد لديه فكرة مؤكدة حول إلى متى يُحتمل أن يستمر هذا.
مراجعة لتغطية السياسة النقدية وتغيّر المناخ وأي شيء يقع بينهما
بعد سنوات من التحفيز النقدي شهدت انخفاض أسعار الفائدة في دول منطقة اليورو لمستويات منخفضة تاريخية وطباعة المليارات من اليورو، سيحاول البنك المركزي الأوروبي الآن معرفة وتفسير سبب عدم نجاح الإجراءات التي اتخذها. تأتي محاولته هذه بعد أن أثارت السياسات انتقادات قوية أسفرت عن دعاوى قضائية في بعض الدول الأعضاء بمنطقة اليورو: ففي ألمانيا، التي تمثّل القاطرة الاقتصادية والمالية لأوروبا، بدأت مبادرة سياسية للحد من أسعار الفائدة السلبية تكتسب شعبية خلال الأشهر الماضية؛ إذ يوضح داعموها أنَّ المدخرين يخسرون أموالهم بسبب سياسة البنك المركزي الأوروبي، وقد اقُترح حظر لمنع تمرير أسعار الفائدة السلبية على المدخرين الصغّار في الجمهورية الاتحادية.
تمثّل المراجعة التي أعلنها البنك المركزي الأوروبي أول إعادة نظر في سياساته منذ عام 2003؛ إذ غادر رئيسه السابق، ماريو دراغي، منصبه في أواخر عام 2019، بعد توليه دفة هذه المؤسسة المهمة مدة ثمانية أعوام لم تُرفع فيها أسعار الفائدة الرئيسية قط. والآن، تريد الإدارة الجديدة للبنك إجراء تقييم واسع النطاق لسياساته، وإن كانت لم تفصح عن الكثير من التفاصيل حول الأمر. لكن في مؤتمر صحفي عُقد بعد اجتماع مجلس الإدارة، صرّحت كريستين لاغارد: “سوف نُجري مراجعة لمجموعة كاملة من المشكلات سيكون لها علاقة بما نقدّمه وطريقة قياسه والأدوات التي نمتلكها وطريقة التواصل التي نتبعها… إنَّها ممارسة واسعة النطاق. لقد كان التزامي حقاً بأن نكون قادرين على الإصغاء لتوقعات الأفراد العاديين وفهم المخاوف الاقتصادية والأمور الملحة وكيف يمكننا الوفاء بها. سوف تكون مهمتنا وهدفنا الإصغاء”.
سوف تتضمن العملية البنوك المركزية في جميع الدول الأعضاء بمنطقة اليورو، وعددها 19 دولة، حتى مع كونها لا تتحدث اللغة نفسها، كما اعترفت لاغارد. وإلى جانب دراسة مجموعة أدوات السياسات الاقتصادية والنقدية للبنك المركزي الأوروبي، سيركز التقييم على معالجة قضايا أخرى، من قبيل المخاوف المتعلقة بالاستقرار المالي بوجه عام، وبمعدل العمالة في منطقة العملة الواحدة، بالإضافة إلى الاستدامة البيئية.
صحيح أنَّ منطقة اليورو ليست في حالتها المثلى، ولكنَّ الاقتصادات الرائدة الأخرى في العالم تمرّ بتحديات مشابهة. على سبيل المثال: يُجري الاحتياطي الفيدرالي الأميركي U.S. Federal Reserve بدوره تقييماً لاستراتيجيته حتى مع وجود تحسينات مؤكدة به بفضل السياسة المالية المُطبّقة في الولايات المتحدة، ومن المتوقع ظهور نتائج مراجعة الاحتياطي الفيدرالي هذا العام أيضاً. وفي اليابان، حيث ظل معدل التضخم يحوم حول نسبة 1% أو ما دونها منذ عام 2015، لم يساعد اتباع سياسة ميسّرة على تحسين الاقتصاد بدرجة ملحوظة.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة