مايكل جي كاسي رئيس المجلس الاستشاري لموقع كوين ديسك وكبير مستشاري بحوث البلوكتشين في مبادرة العملة المشفرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
نُشر المقال التالي في موقع CoinDesk Weekly، وهي نشرة مخصصة يتم تقديمها كل يوم أحد حصرياً للمشتركين.
ظهر شخص آخر يدعي أنه ساتوشي ناكاموتو من العدم الأسبوع الماضي، مهدداً “بدليل” قائم على علم الأعداد وهوس ببنك الاعتماد والتجارة الدولي، وهو البنك الذي شهد فضيحة في عام 1991 عند انهياره.
وقد تبع “الكشف” المفضوح لبلال خالد، أو جيمس كان- غير خالد إسمه رسمياً إلى إسم الممثل الأميركي- مجموعة من التطورات التي لا تقل غرابة في دعوى في محكمة فلوريدا ضد “ساتوشي مزيف” آخر وهو كريغ س. رايت. وقد تضمنت تلك التطورات مذكرة مكتوبة بخط اليد سلمت إلى القاضي تفيد أن شخصاً آخر، ديبو يورغن ايتيان غيدو، يزعم أيضاً أنه رائدة عملة البتكوين (BTC) في السر.
تذكرنا العقول العقلانية في مجتمع العملات المشفرة أن كل ذلك يمثل أمور بدون أهمية، إذ أن تلك المزاعم المتنافسة لا تعني شيء لقيمة العملة المشفرة.
ومع ذلك، يطرح كل ذلك السؤال: لماذا يستمر ذلك في الحدوث؟ لماذا يستمر المخادعون في الظهور بمنتهى السهولة؟ لماذا يجذب مجتمع العملات المشفرة مدعي النبوة؟
دعونا نطرح السؤال التالي: لماذا هناك الكثير من الدراما التي تحيط بالعملات المشفرة بشكل عام؟ لماذا هناك عداوات مريرة بشأن عمليات الفورك، ونظريات مؤامرة مستمرة، والنزاعات بين أصحاب الآراء المتطرفة وداعمي العملات البديلة والذين لا يمتلكون أية عملات مشفرة، وداعمي العملات سيئة الأداء، ومنافسة ميمات مواقع التواصل الإجتماعي، وجيوش التوكنات، وحملات الهجوم على موقع تويتر وكافة أنواع المحتالين- إنه سيرك العملات المشفرة، وكثير منا يحبه في السر، على الأقل جزء منه.
ولكن لماذا؟ كيف ولدت تكنولوجيا تكونت من مجال علوم الحاسب أكثر فروع الرياضيات دقة وذكاء سلسلة من الحيل المحبوكة الشبيهة بالمسلسلات المكسيكية؟
هناك قدر من الدراما أيضاً في المجتمعات التقنية ذات المصدر المفتوح بطبيعة الحال. (يمكنك البحث في متصفح بحث غوغل عن “مجتمع لينوكس Linux” وسوف يكمل تلقائياً الجملة إلى “مجتمع لينوكس الضار”.) يعني الهيكل بدون قائد الخاص بمشروعات المصدر المفتوح أنه لا يوجد سلطة مركزية أو آلية للتحكم في السلوك الجماعي أو إدارة للرسائل الخارجية.
ولكن الدراما في مجتمع العملات المشفرة تتسم بمستوى آخر من الجنون. لماذا؟
التعلم من التاريخ القديم
تبدأ محاولتي في شرح هذا الموضوع بعرض حقيقة أن العملات المشفرة، على عكس التقنيات الأخرى، قائمة في الأساس على المال.
قال بيل مورير، عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة كاليفورنيا في مقاطعة ايرفاين، عالم الأنثروبولوجيا الذي درس ثقافة وتاريخ المال:” كان المال عملية سياسية على مر التاريخ، وهي عملية يعزز أشخاص أو ولايات أو أي نوع من الهيئات سلطتهم على الآخرين”، وأضاف:
“لديك إذن هذه الإشكالية الكبيرة مع شيء مثل عملة البتكوين (BTC)، إذ تكمن فكرتها في أنه لا ينبغي أن تخضع لسيطرة شخص أو سلطة…ولكن بسبب ذلك، ترى هذا التنافر في الأصوات، كل صوت يزعم امتلاكه لنوع من الحقائق ويسعى للسيطرة”.
إن الحقيقة المؤسفة هي أن الأنظمة النقدية القائمة على تقنية البلوكتشين، عندما تكون لامركزية، تقيد تأثير السلطات السياسية أو الشركات على تلك الأنظمة، وهذه القيود موجودة فقط في الشبكة. لا يمكن إيقاف ألعاب النفوذ- السياسة- التي تنتشر كلما أراد أحدهم إجراء عمليات تحديث أو فورك للبرنامج أو عندما تتنافس عملات مختلفة على المستخدمين. لا يمكن الهروب من سياسات المال، وهي لا تختفي لأنه لا يوجد حكومة مسؤولة عن السياسة النقدية.
لقد تمكنت الشخصيات النافذة دائماً من فرض أفكارها عن المال على الآخرين لتعزيز ثرواتهم وهيمنتهم.
أوضح مورير أن انتشار الذهب والفضة كعملات مهيمنة في العالم القديم نجم عن حقيقة أن النخبة من الأثرياء قد امتلكوا في السابق أشياء مكونة من المعادن الثمينة. وقد عززوا نفوذهم ليفوق نفوذ الحكومات والقوانين بجعل تلك المعادن عملات.
يمتلئ عالم عملة البتكوين بأمثال نخبة العالم القديم. لدى كبرى شركات التعدين، وأوائل المستثمرين/الداعمين والمطورين الأساسيين اهتمام مفرط في الترويج لعملة البتكوين. يسري ذلك أيضاً على “حيتان” عملة البتكوين كاش (BCH)، والبتكوين كاش إس في (BSV) وغيرها من العملات المشفرة.
لا يعني ذلك أن نخبة مجتمع العملات المشفرة لا تستحق المكافآت لكونها أول من شارك في هذا المجتمع أو لمساعدتها تطوير وتأمين نوع جديد ومبدع من المال. ولا يمكن لأحد مساواة القوة التي يمتلكونها- في نظام لا يمنع أي شخص من التعدين أو امتلاك أو بالمساهمة بالكود في عملة البتكوين- مع الحكومات التي تستخدم القوة العسكرية والتهديدات القضائية للسيطرة على الوصول إلى المال.
أود الإشارة بمنتهى البساطة إلى أن هؤلاء اللاعبين النافذين لديهم الحافز والإمكانيات المالية لدعم وتعزيز مراكزهم بقوة.
المؤمنون سوف يؤمنون
تتقاتل تلك الأصوات المتنافسة والممكنة مالياً للفوز بعقول المستخدمين، مما يعني أنهم يناشدون مشاعر الناس وعواطفهم.
إنه أمر حتمي. يمكنك أن تكون ذكياً ومستقل كأكثر خبراء التشفير دماغية ، ولكنك إذا كنت تريد أن تنمو عملتك المفضلة إلى الدرجة التي تتحول فيها إلى أموال، عليك الإنخراط في الإنتاج الثقافي. تريد مشاركة قصة عن الإنتماء بشأن هذه العملة، قصة يتم قبولها على نطاق واسع بشكل كافي ليتم امتلاك واستخدام عملتك على نطاق واسع.
سوف تحتاج بالطبع لأن يكون لعملتك خصائص جوهرية- تشترك عملة البتكوين (BTC) والذهب في الندرة، إمكانية التبادل، إمكانية النقل، والصمود وإمكانية القسمة على سبيل المثال. ولكنها كافية. يتطلب أمر تحويل أي شيء إلى مال الإيمان.
وها قد دخلنا إلى عالم الأساطير وسرد القصص، وهي الأسس التي بنيت عليها أكثر أنظمة المؤسسات الإنسانية قوة- الدول، والأديان، والعلامات التجارية، والأهم من ذلك، المال.
فكر في الأهمية المرتبطة بالهوية المجهولة لمؤسس عملة البتكوين (BTC). لا يحرم فقط ذلك النقاد من هدف اتهامه بإدارة مخطط سريع الثراء، وإنما منح مجتمع عملة البتكوين أسطورة نشأته. وقد غذى ذلك الموقف الخاص بعملة البتكوين كاش (BCH) وتصريحات رايت بشأن عملة البتكوين كاش إس في (BSV)، مدعياً أنه صاحب “رؤية ساتوشي”.
ولكن : يسهل التلاعب “بالمؤمنين”. (انظر كيف تمكنت المجتمعات الدينية من فعل أمور سيئة عبر الأزمنة، بدءاً من تحريض الكهنة والملالي على “عمليات تطهير عرقي” حتى قيام الدعاة على شاشات التلفزيون في الولايات المتحدة بابتزاز تجمعاتهم). وللأسف، فإن المجتمعات الكبيرة المتزايدة المهتمة بالعملات المشفرة يسهل التلاعب بها بشكل مماثل- مثل الآلاف التي انخدعت بعملة BitConnect.
يعاني العديد من المستخدمين الغير متمكنين من هذه التكنولوجيا من أوجه الضعف تلك، نظراً لمحدودية المعرفة المتخصصة بشأن أسلوب العمل المعقد للعملات المشفرة.
قال مورير:” ولأنه من المفترض أن يتعلق الأمر بالأكواد والرياضيات ولا يمتلك كل المستخدمين معرفة الأكواد والرياضيات، يستغل البعض ذلك لمحاولة بيع ما يريدون بيعه”، وأضاف:” يحتاج الناس أسس أقوى لقناعاتهم. وبالتالي ينخدعون بسهولة بمن يقدم لهم ذلك”.
لا أقول إن شعار “الثقة في الكود” ليس مفيدًا عند تطبيقه على الإدارة اللامركزية للسياسة النقدية للعملات المشفرة أو نظام المدفوعات الخاص بها. ولكنه من السذاجة الاعتقاد بأن الشبكات الإنسانية التي تحيط بهذه التكنولوجيا محصنة من العيوب الإنسانية. والأسوأ من ذلك، فإن هذا الاعتقاد يعطي القوة للمحتالين.
وإذا كنا نريد التخلص من المدعين بأنهم ساتوشي، أو بائعي زيت الثعبان، والفوضى الثقافية العامة في مجتمع العملات المشفرة، فإن الأمر متروك لنا، وليس للكود أو مطوري الكود، لإيجاد أساليب للحد من تلك العيوب. فإن الحوكمة البشرية في منتهى الأهمية.
أو يمكننا ترك الأمور كما هي. يمكننا الجلوس وإحضار بعض الفشار، والاستمتاع بالسيرك.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة