كتب ترافيس ريدر، وهو رائد أعمال وكاتب مختص بتكنولوجيا البلوكتشين والعملات المشفرة، مقالاً على موقع ميديام Medium يتحدث فيه عن اتجاه البنوك المركزية لإصدار عملات مشفرة خاصة بها. تناول ريدر هذه المسألة من الناحية التقنية، إذ تحدث عن المتطلبات التي يراها ضرورية للأخذ في الاعتبار عند إصدار تلك العملات، وإليكم نص المقال:
سواء شئنا أم أبينا، ستأتي العملات المشفرة الخاصة بالبنوك المركزية (CBDC) على كل حال. إذ لا يمكن إهمال المزايا التي يمكن الحصول عليها من إصدار تلك العملات، والأمر في رأيي مسألة وقت في هذه المرحلة.
قرأت العديد من المقالات والتقارير الصادرة عن البنوك المركزية، وصندوق النقد الدولي (IMF) والمنتدى الاقتصادي العالمي وغيرهم من اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد العالمي حول العملات المشفرة الخاصة بالبنوك المركزية. والتقيت مسئولين حكوميين مهتمين بالبحث والتجريب في هذا المجال. وأجريت مقابلة أيضاً مع مسئولين بأحد البنوك المركزية، وأعمل مع شركة تعمل على تطوير تكنولوجيا إنشاء العملات المشفرة الخاصة بالبنوك المركزية. وقد أسست شركة بلوكتشين مختصة بإنشاء وتشغيل شبكات بلوكتشين عامة عالية الأداء لصالح شركات مُدرجة بقائمة مجلة فورتشن Fortune لأكبر 250 شركة حول العالم مثل لينوفو Lenovo وديش نتوورك Dish Network. وتطور الشركة حلول بلوكتشين للشركات الكبرى لمساعدتها في زيادة الكفاءة.
العملات المشفرة الخاصة بالبنوك المركزية آتية سواء شئنا أم أبينا
يعمل حوالي 80 بالمائة من البنوك المركزية حول العالم على تطوير عملات مشفرة خاصة بها بشكل أو بآخر. وقد أعلن البنك المركزي لشرق الكاريبي Eastern Caribbean Central Bank أنه سيُجري تجربة لأول عملة مشفرة يصدرها البنك المركزي لتمثل دولار شرق الكاريبي في الربع الثاني من عام 2020، مع وجود عدد من المؤسسات المالية ومئات الأسواق وآلاف المواطنين الذين سيستخدمون هذه العملة. وفي المنتدى الاقتصادي العالمي، صدر إطار عمل لصناع القرار المختصين بالعملات المشفرة الخاصة بالبنوك المركزية CBDC Policy-Maker Toolkit. هناك أيضاً تحالف يجمع أكبر البنوك المركزية، بما فيهم بنك إنكلترا Bank of England وبنك كندا Bank of Canada والبنك المركزي الأوروبي European Central Bank التي تعمل معاً على الأبحاث المتعلقة بالعملات المشفرة الخاصة بالبنوك المركزية. فقط، ابحث عن كلمة “CBDC” وسترى الكثير مما يحدث في هذا المجال حالياً. قد يستغرق الأمر بضعة سنوات قبل أن نرى تبنياً حقيقياً لتلك العملات، ولكن البداية تحدث الآن.
ومع أخذ ما تعلمته في مسيرتي في الاعتبار، بالإضافة إلى الاتجاه الذي تسلكه البنوك المركزية، استطعت الوصول لبعض النقاط التي أعتقد بضرورة وجودها في العملات المشفرة التي تصدرها البنوك المركزية، وذلك لمساعدتها في الحصول على القبول العام وتحقيق الأهداف المرجوة منها.
ما هي أهداف البنوك المركزية؟
أولاً، ما هي أهداف البنوك المركزية بشأن تلك العملات المشفرة؟ إليكم رسماً بيانياً من دراسة أجراها بنك التسويات الدولية Bank for International Settlements، والذي يجيب عن هذا السؤال:
ما هو تعريف العملة المشفرة الخاصة ببنك مركزي؟
يمكن فهم هذا الأمر بسهولة كالتالي: بدلاً من أن يطبع البنك عملات نقدية جديدة (يمكنك لمسها) فهو يُصدر عملة رقمية على شبكة البلوكتشين، متساوية تماماً في القيمة لتلك العملة النقدية التقليدية. ويمكنك استخدام هذه العملة عن طريق هاتفك المحمول أو حاسوبك.
والفارق بين هذا النوع من العملات وتطبيقات المدفوعات هو أن هذه العملات لا تحتاج لشركة خارجية تُصبح مسئولة عن أموالك حتى تسحبها، فبدلاً من ذلك، ستكون العملات تحت تصرفك تماماً مثل النقود الورقية.
متطلبات إصدار البنوك المركزية لعملات مشفرة
هذه المتطلبات ليست سوى رأي شخصي توصلت له وقابل للنقاش بالطبع.
شبكة عامة مفتوحة سهلة الوصول
يجب أن تكون الشبكة (سواء كانت بلوكتشين أو شبكة مماثلة) مفتوحة وسهلة الوصول لعامة الناس في أي مكان في العالم. ويجب ألا يتطلب الوصول إليها أطرافاً خارجية.
ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه الشبكة (وقد يكون هذا مُحبّذاً) عبارة عن مجموعة مغلقة من العُقَد التي تُحقِّق وتوقِّع البلوكات. إذ يجب أن يكون أي شخص جزءاً من الشبكة لتحقيق ومراقبة المعاملات، ولكن العقد التي تقبل المعاملات على الشبكة يمكن أن تكون مجموعة مغلقة. ويمكن إدارة عملة مشفرة خاصة ببنك مركزي بشكل جيد عن طريق تحالف من المنظمات. على سبيل المثال، يمكن أن يُصدر البنك المركزي الأوروبي عملة مشفرة تمثل اليورو، وشبكتها تتمثل في كل الدول الأعضاء في منطقة اليورو. حينئذ ستدير كل دولة عقدة ما على الشبكة، بالإضافة إلى البنك المركزي نفسه، وربما يكون هناك بعض المنظمات المدنية التي تدير العقد لحفظ النزاهة بين الأطراف.
وفي النهاية، ستكون لدينا مجموعة من الشبكات المنفصلة، والتي قد تُدير كل منها عملة واحدة خاصة بها. سيُعد هذا بمثابة أمر جيد، إذ يسمح بالتوسع الذي لم تستطع تكنولوجيا البلوكتشين الوصول إليه بعد.
أما الطريقة الخاطئة لفعل هذا هو إضافة واجهة برمجة تطبيقات (API) على شبكة البلوكتشين للتحكم والحد من وصول المستخدمين إليها. وإذا فعلت البنوك المركزية هذا، فلن يحصلوا على نتيجة أفضل من النظام الحالي للمدفوعات، وبالتالي، عليهم ألا يكلفوا أنفسهم عناء هذه التجربة، لأنهم لن يطوّروا شيئاً أفضل، بل سيفقدون المعنى وراء هذه التكنولوجيا من الأساس.
استخدامها أشبه بالنقود
يحتاج الناس إلى عملة يسهل استخدامها مثل النقود، دون وجود وسطاء في المنتصف. يجب ألا تكون هناك ضرورة للذهاب إلى البنك وإنشاء حساب لدى البنك أو الاشتراك في خدمات المدفوعات حتى يتمكن الناس من استخدام العملة.
النقود في الصدارة حالياً، وإذا لم تقم العملات المشفرة الخاصة بالبنوك المركزية بهذا الدور بشكل صحيح، ستظل النقود في الصدارة.
يجب ألا يخاف مسؤولي البنوك والحكومات، لأنه بالرغم من أن هذا قد يبدو نافذة للأنشطة غير المشروعة (وهو صحيح نسبياً)، إلا أنه يعد أفضل من النقود لأنه يمكن تتبع معاملاته بشكل أسهل، حتى وإن كانت مخفية الهوية.
سيظل هناك دور للبنوك في توفير مكان آمن لحفظ الأموال، وتقديم خدمات الائتمان وغيرها من الخدمات المالية. والفارق الرئيسي هنا هو أن البنوك ستحفظ نسخة رقمية من أموال (أو كما يطلق عليها: مفاتيحك الخاصة)، والتي قد يُحفظ بعضها في نفس البنوك المركزية التي أصدرتها (وذلك بفضل نظام الاحتياطي الجزئي).
أما بالنسبة للبالغين غير القادرين على إنشاء حساب بنكي، والذين يبلغ عددهم 1.7 مليار نسمة، فهم يحتاجون فقط إلى هاتف محمول كي يتمكنوا من حفظ وإرسال أموالهم إلى أي مكان في العالم بدون رسوم تقريباً. ويمكن أيضاً لنفس هؤلاء الأشخاص أن يحظوا بالعديد من الخدمات المالية الأخرى التي لم تكن متاحة لهم من قبل مثل الاستثمار أو الحصول على فائدة على أموالهم. قد يكون هذا تطويراً سيغير حياة نسبة كبيرة من سكان العالم. وحتى في الدول المتقدمة نسبياً، قد يكون من الصعب جداً الاستثمار في البورصة أو حتى الحصول على الفائدة من خلال الحسابات البنكية.
السماح للخدمات المالية الجديدة بحرية البناء على الشبكة
سيكون هذا بمثابة المحرك الأساسي للتطوير المالي في تحسين العالم. ومفهوم العملة القابلة للبرمجة هو بمثابة هدية لمسار التطوير لم نر لها مثيلاً. وستعمل هذه العملة أيضاً على حل المشاكل التي تواجهها شركات التكنولوجيا المالية حالياً، والتي تضطرهم لإدارة الأموال كي يتمكن الناس من الاستفادة من خدماتهم. وهذا يقلل من خطر استخدام الخدمات المالية التي قد لا تروق لك، ويقلل ايضاً من الحاجة إلى أشياء مثل التأمين على الحساب البنكي، بمعنى أصح: لن تضطر إلى القلق فيما بعد من إفلاس البنك الذي أودعت لديه أموالك.
فكر في خدمات مثل فينمو Venmoo وباي بال PayPal وترانسفير وايز Transferwise وروبن هود Robinhood وغيرها. تطلب منك كل هذه الخدمات أن تُرسل (تودع) لها أموالك كي تتمكن من استخدامها. أما مع العملات المشفرة التي تصدرها البنوك المركزية، أو أي عملة مشفرة، ستظل أموالك تحت تصرفك بينما أنت تستخدم منتجات وخدمات خارجية. وستظل لديك حرية اتخاذ قرارات غبية متعلقة بأموالك، ولكن على الأقل سيصعب على الشركات استغلالك ولن تكون تحت رحمة البنك دائماً.
هناك فائدة رئيسية أخرى من العملات المشفرة الخاصة بالبنوك المركزية، وهي أنها قابلة للاستخدام المتبادل، فهي تشبه النقود كثيراً في هذا، ولكنها لا تتطلب حضور الأشخاص لإتمام المعاملات. ففي خدمات المدفوعات مثل فينمو، يجب على الطرفين أن يكون لديهما حساب في الشركة. أما مع العملات المشفرة، يمنك استخدام تطبيق مثل فينمو لإرسال أموال لصديقك الذي يستخدم خدمة مختلفة تماماً. ستمكّن العملات المشفرة هذه الخدمات من قبول هذه العملات المشفرة الجديدة والتفاعل معها بشكل أكثر حرية وانفتاحاً.
استخدام واجهة برمجة قياسية
تعد واجهة JSON RPC لبرمجة التطبيقات على شبكة الإيثريوم (ETH) هي الأكثر انتشاراً بين واجهات برمجة التطبيقات على شبكة البلوكتشين. إذ تُستخدم تقريباً في كافة التطبيقات والخدمات الموجودة حالياً. ولكن لماذا؟ لأن شبكة الإيثريوم طورت بشكل أساسي مفهوم شبكات البلوكتشين القابلة للبرمجة، وبالتالي، بدأ الناس في إنشاء التطبيقات عليها وهي أيضاً تحتوي على عدد كبير من التوكنات بما فيها كل العملات المستقرة.
إذا أصدر أحد البنوك المركزية عملته المشفرة على بلوكتشين متوافقة مع الإيثريوم، حينئذ ستستطيع كافة التطبيقات والأدوات والخدمات الموجودة في السوق حالياً من استخدام تلك العملة المشفرة الجديدة فوراً بأقل مجهود.
وبالتالي، إذا كنت ترغب في الحصول على تبنٍ سريع وسهل لعملة مشفرة خاصة ببنك مركزي، فعليك الالتزام بما يعرفه الناس.
هناك فائدة أخرى من استخدام الشبكة المتوافقة مع الإيثريوم لإنشاء العملة المشفرة الخاصة ببنك مركزي، وهي أنه توجد عقود توكنات مفتوحة المصدر والتي تمثل إثباتاً فعلياً على كفاءة الشبكة في حفظ مليارات الدولارات من العملات المشفرة، مثل التيثر (USDT) واليو إس دي كوين (USDC). إذاً، بالفعل يمكنك بناء عقودك الذكية على هايبرليدجر Hyperledger أو غيرها من المنصات، ولكن، هل الأمر يحتمل المخاطرة؟ توخ الحذر.
ولا أقول أن الحال ستظل هكذا دائماً، ولكن بالنسبة للوقت الحالي، فالحذر مطلوب.
الخلاصة
بعد سنوات من عملي في هذا المجال، وقضاء بعض الوقت في بلاد لديها نظام بنكي سيئ يجعلك تريد العودة إلى النقود مجدداً، ومن خلال عملي مع أشخاص يعملون على مشاريع عملات مشفرة خاصة ببنوك مركزية، يبدو أنه لا بد من حدوث هذا. وأراهن أنه بحلول عام 2030، ستكون العملات المشفرة على البلوكتشينات هي النمط السائد الجديد.
إذا كنت مشتركاً في تصميم عملة مشفرة لبنك مركزي، أرجو أن تتأكد من تضمين النقاط السابقة في مشروعك كي تستطيع تحقيق الأهداف الرئيسية من وراء تلك العملة بما فيها الشمول المالي والمدفوعات العالمية منخفضة التكلفة والانخفاض الهائل في تكاليف إصدار وإدارة العملات. وعلى قدر أهميتها، فهي ستفتح الباب أمام مستقبل التكنولوجيا المالية عن طريق تسهيل استخدامها وتكاملها دون حواجز الدخول.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة