لدى البتكوين والعملات المشفرة الأخرى إمكانية حقيقية لتغيير عالم المال تغييراً ثورياً في السنوات القليلة القادمة. ولديها القدرة على إعادة تشكيل الطرق التي ندفع بها ونشتري السلع والخدمات وما هو أكثر من ذلك.
أحد العوامل الثورية الرئيسية في هذا الأمر، هي لامركزية عملة البتكوين، والتي تعني عدم وجود بنك مركزي يطبع المال، ولديها أهدافها وأغراضها وقواعدها الخاصة.
في الحقيقة، عملت البنوك المركزية مثل ظهور الأنظمة المالية النقدية (بعد صدمة نيكسون) على تطبيق السياسات المالية عبر التحكم في إمداد المال، ولديها تفويض معين يمثل أساس عملياتها اليومية، على سبيل المثال يحافظ البنك المركزي الأوروبي على استقرار الأسعار عبر تحديد معدلات الفائدة والتحكم في إمداد المال في منطقة اليورو.
مع ظهور العملات اللامركزية، بإمكاننا أن نرى بزوغ عصر نموذج جديد، وميلاد نظام مالي جديد، تحظى فيه المؤسسات المالية بسلطة أقل وأن تفسح مكاناً لحضور هذه العملات الجديدة.
لكن، في الوقت الحالي، ليس هذا هو الحال.
في الحقيقة، تفتقر البتكوين (والعملات المشفرة الرئيسية الأخرى) لبعض الصفات الأساسية والخصائص التي قد تجعل منها عملة جيدة. في الحقيقة، المشترك بين مختلف أشكال النقود هو:
أولاً: النقود مخزن للقيمة.
إذا عملت اليوم وجنيت 10 دولارات، بإمكاني الاحتفاظ بالنقود دون إنفاقها، لأنها ستحتفظ بقيمتها حتى الغد، أو الأسبوع المقبل أو حتى العام المقبل. لكن، رغم كفاءتها في تخزين القيمة، فالنقود ليست دائماً مخازن مثالية للقيمة، ونشهد ظواهر اقتصادية مثل التضخم، ينتج عنها تآكل في القوة الشرائية للنقود مع الوقت.
ثانياً: النقود وحدة للحساب.
يعني هذا أن المال يمثل وحدة معيارية يستخدمها الناس لقياس القيمة في معاملاتهم الاقتصادية.
على سبيل المثال، إذا كنت تتسوق لشراء زوج من الأحذية، قد تكون القيمة ممثلة في القمصان أو البقر أو الذرة. لذا على سبيل المثال، قد يكلف زوج الأحذية 10 إلى 50 صاعاً من الذرة ، لكنك ستفضل لو كانت القيمة محسوبة بالنقود لأنها تمثل مقياساً شائعاً للقيمة في كل نواحي الحياة الاقتصادية.
ثالثاً: المال وسيطاً للتبادل.
يعني أن هذا أن المال مقبول على نطاق واسع بوصفه وسيلة للدفع. حين تذهب للتسوق في متجر ما، تثق في أن البائع سيقبل مالك. في الحقيقة يحمل الدولار الأميركي العبارة التالية “هذه الورقة النقدية هي العملة القانونية لكل الديون، العامة والخاصة”. يعني هذا أن الحكومة الأميركية تحمي حقي في الدفع باستخدام الدولار الأميركي.
بالنظر إلى هذه الصفات المشتركة التي يجب على النقود أن تتمتع بها، ومقارنة بالعملات الكبرى مثل الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني، تفتقر البتكوين للصفة الأولى والثالثة.
غياب هذه الجوانب الرئيسية يجعل من المستحيل وصف البتكوين بالعملة الجيدة في الوقت الحالي.
تقلبات كثيرة
الخاصية الأولى التي تمنع البتكوين من أن تكون عملة، هي افتقارها للقدرة على أن تكون مخزناً للقيمة بسبب تقلباتها الكثيرة.
بإمكانك على سبيل المثال، النظر في تغير سعر البتكوين مقابل الدولار الأميركي، في الفترة بين 24 و31 يناير/كانون الثاني لعام 2020. في فترة لم تجاوز السبعة أيام، قفز السعر من 8300 دولار إلى أكثر من 9500 دولار، أي زيادة بنسبة 14%.
وانظر في حركة الدولار مقابل اليورو في نفس الفترة. كما ترى فإنه في نفس الفترة، تذبذب سعر العملتين بنسبة 0.005%. من 1.099 في يوم التاسع والعشرون إلى 1.105 في الثلاثين من نفس الشهر.
لا تلقى قبولاً واسعاً
الأدهى من ذلك، بخصوص الصفة الثالثة (المال بوصفه وسيطاً للتبادل)، لا يمكننا أن نعتبر البتكوين وسيطاً ملائماً للتبادل، فهي لا تلقى قبولاً على نطاق واسع، مما يعني أنه من الصعب، بل ومن المستحيل أحياناً، أن نجد متاجر (على الإنترنت أو على أرض الواقع) تقبل البتكوين وسيلة للدفع، لذا يصعب استخدامها في الحياة اليومية.
قد يكون سبب ذلك هو التقلبات الحادة في أسعارها، كما ذكرنا أعلاه، مما يجعل الاحتفاظ بها في حساب بنكي أمراً محفوفاً بالمخاطر لأنها قد تفقد قدراً كبيراً من قيمتها في غضون أسابيع.
أما العملات الكبرى الأخرى مثل الدولار واليورو فتعد أكثر أمناً لأنك شبه واثق بأن الـ 100 دولار ستشتري بعد عام نفس السلع تقريباً التي ستشتريها هذا العام، هذا عامل مهم لنجاح العملة.
كل العوامل المذكورة أعلاه، ليست من خيال شخص يكره البتكوين أو العملات المشفرة في العموم. في الحقيقة يمكننا أن نسمع رأي جاك دورسي مؤسس تويتر وسكوير وأحد المناصرين الأشداء للعملات الرقمية والبتكوين، لكنه يقول: “ليست فعالة بوصفها عملة، فصعودها وهبوطها يشبه الأصول الاستثمارية وهي أشبه بالذهب”.
وقال في لقاء على شبكة سي إن بي سي CNBC “يجب علينا أنه نجعلها أيسر استخداماً ونسهل الوصول إليها بوصفها عملة، لكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد”.
ستكتسب البتكوين وأمثالها من العملات المشفرة مزيداً من الشعبية بالتأكيد، لكنها لم تصل بعد إلى تلك المرحلة.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة