احتفلت البتكوين (BTC)، التي اخترعها ساتوشي ناكوموتو في الثالث من يناير/كانون الثاني من عام 2009، بعيدها الحادي عشر. سواء كنت مؤيداً أم معارضاً للبتكوين، فلن يسعك إلا أن تتفق أن البتكوين حققت نجاحاً باهراً. فمنذ اختراعها من العدم في عام 2009، نجحت البتكوين في تحقيق قيمة سوقية تصل إلى 130 مليار دولار في عقد واحد فحسب.
واجتذب هذا النجاح، وخصوصاً في جانبه الذي يهز الأنظمة المالية التقليدية، انتقادات كثيرة في العقد الثاني من الألفينات. لم تكن للكثير من تلك الهجمات أسس موضوعية، من وجهة نظر كاتب المقالة، وتحولت إلى أساطير حول البتكوين منذ ذلك الحين.
ولكن للأسف، شوهت تلك الأساطير، التي لم يكن ثمة داعي لبقائها على قيد الحياة، صورة البتكوين لدى عموم الناس. في هذه المقالة، سيحاول كاتب المقالة دحض تسع أساطير محيطة بالبتكوين، ليوضح للقارئ عدم ارتكازها على أي حقائق موضوعية.
الخرافة رقم 1: البتكوين خدعة بونزي
منذ ظهورها، اتهم نقاد البتكوين العملة بأنها خدعة بونزي. وفي آخر يوم من عام 2019، أراد تيندايي كافيزي، كبير الاقتصاديين في أكبر شركة في أسواق الإقراض الأميركية ليندينغ تري Lending Tree، أن يجذب الأضواء إلى نفسه بقولة: “أنا على قناعة بأن البتكوين لا تعدو كونها خدعة هرمية. لا تستطيع أن تجني أي أموال منها إلا ممن يدخلون السوق بعدك”.
لا يعد هذا الهجوم جديداً، إذ أصبح من المعتاد أن يلجأ إليه الاقتصاديون والسياسيون الراغبون في مهاجمة البتكوين دون أن يكون لديهم أي حجة ضدها.
ومن أجل دحض تلك الخرافة الآن، تقترح المقالة قراءة التقرير الخاص بالبنك الدولي عن خدع بونزي والصادر في عام 2014. كتب التقرير الاقتصادي المرموق كوشِك باسو، وهو كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي وأستاذ الاقتصاد بجامعة كورنيل.
في تقريره، يوضح كوشِك باسو النقطة التالية بالتحديد: “بعكس الاعتقادات المنتشرة، فإن البتكوين ليست خدعة بونزي. ولا يمكننا فهمها في حالة النظر إليها بوصفها كذلك. يمكن لقيمة البتكوين أن تكون، بأثر رجعي، في الدروس التي تقدمها للبنوك المركزية حول الاحتمالات الممكنة للعملات الإلكترونية، وكيف يمكن تحسين الكفاءة وتقليل رسوم المعاملات.”
لا تظن المقالة أن هناك حاجة لأي استيضاحات إضافية. اقرأ فحسب ما كتبه كوشِك باسو في تقريره، وما يوضحه بالذات. ومن الجلي أن الناس الذين لا زالوا مقتنعين بأن البتكوين خدعة بونزي مُضللين ولا يجدر بنا إضاعة وقتنا معهم.
الخرافة رقم 2: البتكوين فقاعة مضاربة
في بدايات البتكوين، كان عدد قليل من الأشخاص مهتماً بها. ومع الوقت، أقنعت البتكوين المزيد من الناس بإظهارها أنها ليست مجرد أداة تكنولوجية تخص فئة محدودة من المهتمين بالتكنولوجيا.
تؤسس البتكوين لثورة أكثر عمقاً، وسيكون لها آثار كبيرة في السنوات القادمة.
وبمجرد ارتفاع سعر البتكوين لفوق مستوى ألف دولار أميركي، انتقل الأشخاص الذين شعروا بالتهديد مما تمثله البتكوين إلى خانة الهجوم، وادعوا أن البتكوين فقاعة مضاربة.
قورنت البتكوين في ذلك الوقت بجنون التوليب، وهي التي أشاعت الخراب في هولندا في الفترة بين عامي 1636 و1637، أو فقاعة الإنترنت في أوائل الألفينات. وينظر البعض بالفعل إلى البتكوين بوصفها كأداة مضاربة لجني الأرباح. لكن لا يعني سوء الفهم العميق ذلك للبتكوين أنه فقاعة.
نعيش في عالم يتزايد فيه عدد المدفوعين بالجشع، بدءاً بالمضاربين الماليين. لا علاقة للبتكوين بذلك، إذ لا يعد فقاعة في حد ذاته. انفجرت الفقاعة المضاربية التي خلقها المضاربون الجشعون في عام 2017 في العام التالي، مخلفة وراءها الأشخاص الذين لم يكن لهم أن يدخلوا سوق البتكوين منذ البداية.
سمح انفجار تلك الفقاعة للبتكوين أن تتخلص من غير المؤمنين بها. ومنذ ذلك الحين، واصلت البتكوين مسيرتها الناجحة وازدهرت مجدداً وبدرجة أكبر من ذي قبل.
الخرافة رقم 3: البتكوين غير آمنة وتم اختراقها عدة مرات
يردد نقّاد البتكوين، بدءاً من الاقتصاديين، والعاملين بالبنوك المركزية، والسياسيين، أن البلوكتشين غير آمنة. ومن أجل تبرير هذا الاتهام، فإنهم يشيرون إلى حقيقة أن البتكوين تم اختراقها عدة مرات على مدار تاريخها.
لا أساس من الصحة لتلك الشائعة على الإطلاق، فلم يجر اختراق البتكوين على الإطلاق من قبل.
فالبتكوين على وجه الخصوص تعد من البرمجيات الآمنة مفتوحة المصدر التي يجري تحديثها باستمرار من جانب مجتمع المطورين الخاص بها.
يساوي منتقدو البتكوين بينها وبين درجة أمان منصات تداول العملات المشفرة. وهما شيئان مختلفان تماماً. جرى اختراق تلك المنصات عدة مرات في العقد الماضي. ومن أشهر تلك المرات اختراق منصة إم تي غوكس، التي تحولت إلى فضيحة في أوساط العالم الضيق للبتكوين في عام 2014.
لم يتم اختراق البتكوين قط. إلا أن البتكوين شهدت بعض العيوب البرمجية على مدار تاريخها، وأحد أشهر تلك الحالات واقعة إغراق القيمة، والتي وقعت في الخامس عشر من أغسطس/آب من عام 2010.
وأوضحت هذه الواقعة قوة مجتمع مطوري البتكوين، إذ استغرقهم الأمر بضع ساعات قبل أن يقوموا بتطبيق نسخة مصححة من البلوكتشين.
في نهاية المطاف، تعطلت البتكوين لمدة 8 ساعات و27 دقيقة فحسب خلال تلك الواقعة. واستكملت النسخة المصححة من بلوكتشين البتكوين العمل بعد البلوك رقم 74,691.
لا أساس لتلك الخرافة أيضاً، فبلوكتشين البتكوين بالتحديد آمنة للغاية.
الخرافة رقم 4: استخدام البتكوين معقد للغاية
البتكوين “نظام نقدٍ إلكتروني قائم على نظام النظير للنظير” ويستعمل مفهوم البلوكتشين. لكي تعمل البتكوين بدون قيادة مركزية، مع احتفاظها بعدم الاعتماد على الإذن وعدم الاحتياج إلى الثقة، فإن البتكوين ترتكز على نظام مفاتيح تشفير عامة/خاصة معقدة في أعين غير المتخصصين.
يستخدم منتقدو البتكوين ذلك التعقيد الكامن في التكنولوجيا للقول بأن البتكوين أكثر تعقيداً من أن يتمكن العامة من استعمالها.
ومع ذلك، يمكنك استعمال البتكوين في حياتك اليومية دون الحاجة إلى استيعاب كل تلك المفاهيم المعقدة.
هناك العديد من الأدوات سهلة الاستخدام، بدءاً من المحافظ البسيطة، وتطبيقات الإنترنت وتطبيقات الهاتف المحمول.
وفي عام 2020، سيكون إتمام معاملات البتكوين في نفس سهولة إرسال بريد إلكتروني. فتعقيد البتكوين من الخرافات المنتشرة إذ لا يحتاج عموم الناس إلى استخدام المفاهيم الكامنة في قلب التكنولوجيا.
الخرافة رقم 5: البتكوين تفتقر إلى الشفافية ومخفية الهوية
لا يحب رؤساء البلاد البتكوين لأنها تفتقر إلى الشفافية ومخفية الهوية. بحسب هؤلاء الرؤساء، فإن ما يقوم به المستخدون على بلوكتشين البتكوين غير واضح للجميع.
الادعاء السابق غير صحيح بالكلية. في واقع الأمر، فإن البتكوين بلوكتشين عامة، وبذلك فإن كل المعاملات عليها، منذ إنشائها في عام 2009، يمكن تتبعها وقراءتها.
لم تتمتع أي عملة أخرى في التاريخ بمستوى الشفافية الذي تتمتع به البتكوين.
إذا كانت البتكوين معتمة، فذلك بالنسبة بالنسبة لمن يجهلون كيفية عملها، وهم المنتقدون الأعنف.
على الناحية الأخرى، يمكن لمستخدمي البتكوين ألا يكشفوا عن هوياتهم إذا رغبوا في عدم الكشف عن عناوينهم التي يستخدموها في إتمام معاملاتهم.
وفي النهاية، يجب ملاحظة أن الكود المصدري الخاص بالبتكوين متاح للجميع، وهو ما يضمن شفافية كل ما يحدث عند تشغيل بلوكتشين البتكوين.
الخرافة رقم 6: البتكوين تشجع على غسل الأموال
مع الارتفاع الصاروخي لسعر البتكوين في عام 2017، ارتفعت وتيرة انتقاد البنوك للبتكوين. وبحسب البنوك الكبرى في العالم، فإن البتكوين يشجع على غسل الأموال القذرة. وبالطبع، ردد السياسيون تلك الخرافة. ومجدداً، فنحن بصدد خرافة يجب دحضها.
لا تُستَعمل البتكوين على وجه الخصوص في غسل الأموال. أجريت عدة دراسات خلال عام 2018 أكدت أن خطر استخدام البتكوين في غسل الأموال يظل ضئيلاً.
تجدر الإشارة أيضاً أن معظم فضائح غسل الأموال خلال السنوات الأخيرة ارتبطت بالبنوك. ويذكر الكاتب بنك دانسكه الدنماركي Danske Bank، والمتهم مؤخراً بغسل ما يزيد عن 300 مليار دولار أميركي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
إذا سمعت اتهام أحد الأشخاص للبتكوين بتسهيل غسل الأموال، فإن المقالة تدعوك إلى التساؤل عن السبب وراء ادعائهم ذلك.
في معظم الحالات، ستلاحظ أن هؤلاء الأشخاص يحاولون الإشارة بإصبع الاتهام إلى المنافسين من أجل تشتيت الانتباه عن أنشطتهم، التي هي ليست واضحة دائماً.
الخرافة رقم 7: البتكوين ليست سوى مخزن قيمة
في معسكر نقّاد البتكوين، فإن بعض المعتدلين يعترفون بقيمتها إلا إنهم لا ينظرون إليها إلا باعتبارها مخزناً للقيمة. وقد أثبتت البتكوين كونها مخزناً للقيمة على مدار السنوات الماضية. وليس من قبيل المصادفة أن تُسمى البتكوين بالذهب الرقمي.
ستتلاشى تلك الخرافة مع ازدياد دعم التجار للبتكوين كوسيلة مدفوعات حول العالم. من وجهة نظر المقالة، فسيشهد عام 2020 تسارع معدل تبني البتكوين كوسيلة مدفوعات من جانب التجار.
يثبت ذلك أن فرنسا، من بين أكبر الاقتصادات في العالم، ستدعم ما يقرب من 25 ألف نقطة بيع للبتكوين لدى تجار التجزئة بنهاية العام.
وشيئاً فشيئاً، فسيتنامى تبني البتكوين كما سيتزايد استعمالها كوسيلة مدفوعات.
بالإضافة لذلك، فإن ظهور بروتوكول شبكة لايتننغ في السنوات القادمة سيسهل استخدامها كوسيلة تبادل إذ ستسرع وتيرة المعاملات برسوم منخفضة للغاية.
سيتوجب على البتكوين أن تثبت نفسها كمخزن للقيمة.
وقد تم ذلك بالفعل، والخطوة التالية هي التحرك نحو التبني واسع النطاق كوسيلة تبادل ووسيلة مدفوعات.
الخرافة رقم 8: البتكوين عدوة للبيئة
لا يعدم منتقدو البتكوين طريقة لمهاجمته، إذ لاحظ مناصروه استهلاكه المرتفع للطاقة. وبالفعل، فإن الحفاظ على بلوكتشين البتكوين يتطلب قدراً كبيراً من الطاقة الكهربية.
تتطلب خوارزمية إثبات العمل التي تقوم عليها عمليات التعدين في بلوكتشين البتكوين قدراً كبيراً من الطاقة الحوسبية. بالنسبة للبعض. فإن استهلاك البتكوين للطاقة سيمثل كعب أخيل خاصتها.
بادئاً ذي بدء، فإن الطاقة الكهربية اللازمة لإنتاج عملات بتكوين جديدة هي ما يجعل البتكوين ذات قيمة مرتفعة.
ثانياً، بحسب دراسة أجرتها مؤخراً كل من سوزان كولر وماسيمو بيزول في جامعة ألبورغ بالدنمارك، فإن الحسابات السابقة المتعلقة بالتأثيرات البيئية للبتكوين كانت مبنية على افتراضات خاطئة.
وأوضحت الحسابات الأكثر دقة التي أجروها كجزء من دراستهم أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن البتكوين أقل بكثير مما كان يعتقد في السابق. في واقع الأمر، فإن البتكوين لن تكون كارثية على البيئة كما يدعي معارضوها. كما أن أغلبية الطاقة التي تستهلكها بلوكتشين البتكوين تأتي من مصادر متجددة للطاقة.
من الممكن في نهاية الأمر اعتبار البتكوين حليفة في المعركة ضد الاحترار العالمي.
الخرافة رقم 9: لم يرتفع سعر البتكوين منذ عام 2017
انتشرت الخرافة الأخيرة في الفترة الماضية، ويبلغ عمرها ما يزيد عن العامين بقليل. دخل الكثير من المستثمرين عالم البتكوين في نهاية عام 2017 عندما وصل سعر البتكوين إلى أعلى مستوياته عند 20 ألف دولار أميركي.
واستسلم معظم هؤلاء المستثمرون المتأخرون لما حدث في عام 2018 عندما هبط سعر البتكوين لما دون 4000 دولار أميركي.
ينتقد هؤلاء المستثمرون البتكوين بشدة ويكررون أن سعر البتكوين لا يتحرك. بل إن البتكوين تصير مملة عند الاستماع إليهم.
هذه الخرافة خاطئة تماماً. بدءاً من 0.01 دولار أميركي في عام 2010، فإن أقل سعر سنوي للبتكوين قد ارتفع إلى 3350 دولار أميركي في عام 2019.
وفي بداية هذا العام، انخفض سعر البتكوين ليصل إلى 6850 دولار أميركي. ولا يزال من الممكن أن يصل أقل سعر سنوي للبتكوين إلى فوق مستوى 6000 دولار أميركي.
لذلك فإن سعر البتكوين يرتفع بشكل ثابت سنوياً. ومع ذلك، فإن معدل تلك الزيادة لا يتوقف على أي عامل آخر لأن البتكوين غير مرتبطة بأي أصل آخر.
الاستنتاج
أُعلِنت وفاة البتكوين 380 مرة تقريباً منذ اختراعها في عام 2009. وبالإضافة لكل ذلك النعي المتكرر، فإن المستفيدين من الأنظمة المالية والنقدية الحالية يكيلون لها النقد بشكل مستمر، وينشرون الخرافات عنه.
ومثل جميع الخرافات، فإنها مزيفة، إلا أن انتشارها يعطي صورة خاطئة عن البتكوين لعموم الناس. حاولت هذه المقالة تقديم العناصر اللازمة لدحض تلك الخرافات. يمكنك استخدام تلك العناصر في زيادة انتشار البتكوين بين من حولك.
يعد ذلك ضرورياً لأن التبني واسع النطاق للبتكوين يتطلب فهماً أعمق للتكنولوجيا الخاصة بها ولقدرتها على تغيير الأوضاع.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة