عندما اجتمع كبار المصرفيين وواضعي السياسات في العالم هذا الأسبوع في الاجتماع السنوي الخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، كان اهتمامهم بتقنية البلوكشين واضحاً جداً.
قالت تشانغ جياشن، الرئيسة التنفيذية للشركة الناشئة جوانغتشو للتكنولوجيا، على هامش المنتدى الاقتصاد العالمي: “إن حالة الاستخدام الأهم لتكنولوجيا البلوكتشين التي تروج لها الحكومة هي مشاركة البيانات”. وقالت إن شركتها تعمل مع العديد من الوكالات الحكومية.
يتابع العديد من ممثلي الدول تجربة بنك الصين الشعبي للعملة الرقمية للبنك المركزي عن كثب. وصفت نيها نارولا مديرة مبادرة العملة الرقمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، العشرات من تجارب البنك المركزي مع الأصول الرقمية في عام 2020 بأنها تجارب”لا مفر منها”. ونشر المنتدى الاقتصادي العالمي في هذا السياق مجموعة أدوات لصناعة سياسات العملات الرقمية للبنك المركزي لمساعدة تلك المشاريع للوصول إلى المعايير العالمية إذا اختاروا ذلك.
وقال فييراتاي سانتيبرابوب محافظ بنك تايلاند في بيان صحفي “حقق بنك تايلاند تقدماً جيداً في مشروع بيع العملة الرقمية للبنك المركزي بالجملة يسمى مشروع Inthanon، ومن خلال تجربتنا، نحتاج إلى المفاضلة بين فوائد حالات الاستخدام والمخاطر المرتبطة بها من مناظير مختلفة”.
قالت جياشن بدورها إن خبراء التكنولوجيا الصينيين يستمدون إلهامهم من مشروع ليبرا التابع لفيسبوك والإيثريوم. بالرغم من أنها رفضت الإفصاح عن نوع المبادرات المستوحاة من الإيثريوم.
و قالت في لقاء لها “هل يمكن أن ننضم لوحدة البلدان الذين يرغبون في استخدام عملة رقمية إقليمية يكون البنك الشعبي الصيني جزءً فيها؟ تتطلب دراسة مدى جدية هذه الفكرة الكثير من التفكير الإستراتيجي”.
جهود متعددة
يتفق معظم الخبراء في دافوس أن تقنية البلوكتشين يجب أن تستخدم أكثر في عمليات جمع البيانات وليس في إنشاء أنظمة مالية ذات سيادة مستقلة.
على سبيل المثال، قال إبراهيم غيمباسيدو المستشار التقني لدى رئيس النيجر إن استخدام أنظمة الإبلاغ الرقمية سيكون مهماً بالنسبة للاقتصادات الناشئة من أجل تفادي الاختلاس والجرائم المالية الأخرى.
وقال على هامش مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي ” هدفنا هو الوصول إلى حكومة إلكترونية بحلول 2028. كيف يمكن أن يختلس أي قائد أو مسؤول حكومي الأموال دون أن يلاحظ أحد؟ العملات المشفرة تمكنك من معرفة كل هذا؛ مع تكنولوجيا البلوكتشين تعرف مكان كل شيء”
وعلى غرار الصين، قال غيمبا-سيدو إن النيجر مهتمة بفكرة التوكن الإقليمي.
و أضاف إن الوقت مبكر على الحديث عن استخدام الدول الأفريقية للبتكوين، لكن تجري 15 دولة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) محادثات حول إطلاق عملة مشابهة لليورو للدول الأفريقية.
و قال ماثيو بليك، رئيس قسم الأنظمة النقدية في المنتدى الاقتصادي العالمي، إن وجود عملة رقمية إقليمية في إفريقيا أمر منطقي، على الرغم من أن اليورو قد أثبت أن إدارة العملة التعاونية هو أمر صعب في أفضل الأحوال.
في حين أعرب عن اهتمامه بمراقبة كيفية تطور البيتكوين، كان بليك متشككاً، في احتمال استخدام الدول القومية للبتكوين أو السماح للشركات باستخدامه على نطاق واسع. كما قال ميكايل جابروف، وزير الاقتصاد في جمهورية أذربيجان، في تصريح لموقع كوين ديسك CoinDesk إنه واجه صعوبة في تخيل قيام الدول القومية بالتغاضي عن استخدام عملة لامركزية.
ورغم أنه لم يشر إلى ضرورة حظرها بالكامل، تركز اهتمام جابروف الأساسي على معلومات العميل المرتبطة بملكية البتكوين. عدا عن ذلك نفى إمكانية استخدام العملات المشفرة سوى في حالات المضاربة والأنشطة غير المشروعة.
على الأقل في حالة غيمباسيدو ينصب الاهتمام على مراقبة المعاملات النقدية للموظفين العموميين بدلاً من جميع المواطنين. على نفس المنوال قدم بنك الصين الشعبي مؤخراً براءة اختراع لنظام قائم على البلوكشين يسمح بالوصول إلى البيانات، يهدف إلى مراقبة من يمكنه الوصول إلى السجلات النقدية المدنية، والمراقبة السلبية للأنماط الأوسع.
وقال غيمباسيدو: “ستكون لدينا بنية تحتية للمفتاح العام، هكذا أعتقد أننا يمكن أن نتمتع بالشفافية والتتبع والمساءلة التي يوفرها. كل هذه الأشياء يجب أن تقوم بها منظمات مستقلة لأنه بخلاف ذلك، سيكون بإمكان منظمة واحدة الحصول على المعلومات أو تغييرها”.
أسماء حقيقية
وفقاً لداريا كالينيوك، المشاركة في تأسيس مركز مكافحة الفساد في أوكرانيا، هناك قلق سائد حول قدرة محافظ البتكوين على السماح بإنشاء حسابات بنكية سرية.
وقالت في لقاء لها إن روسيا ليست الدولة الوحيدة الوحيدة التي تمتلك محطة طاقة نووية و تدعم في نفس الوقت عمليات تعدين البتكوين. تنتشر هذه الموضة في أوكرانيا و مولدوفا حيث تسيطر قلة من الأثرياء في أوكرانيا على سوق البتكوين المحلية.
وقالت كالينيوك “عندما نرى سياسياً يعلن عن عملة بتكوين، فإننا نعتبر أنه يمثل خطراً كبيراً. يمكن لهذا المال أن يشتري حملات الدعاية.. يجب أن تحتوي هذه البيانات على هويات فريدة للأشخاص العاديين”.
تتجاوز بعض مشاريع البنك المركزي مسألة التحقق من الهوية. في الصين، هناك بالفعل جهود لاستخدام البيانات الحكومية، كل البيانات بداية من بيانات الرعاية الصحية إلى سجلات الاتصالات السلكية واللاسلكية، لتشكيل الخدمات المالية التي يقدمها القطاع الخاص.
وقالت جياشن “تمتلك الحكومة الكثير من البيانات وترغب في تمكين القطاع الخاص من استخدامها دون التخلي عن ملكية البيانات. لذلك نحن نساعد الحكومة في دعم مبادرات تبادل البيانات”.
وقالت إن معظم البيانات الخام ليست مسجلة على البلوكشين. وتستخدم تقنية البلوكتشين بدلاً من ذلك في إثبات التحقق من السجلات أو حسابها في المصدر، دون مشاركة المصدر الأصلي. وأعربت جياشن عن أملها في تطبيق سياسات صارمة تنظم من يمكنه طلب هذه البيانات والوصول إليها. وأعربت نيرولا من معهد ماساتشوستس للتقنية عن مخاوف مماثلة.
قالت نيرولا “آمل أن تكون الخصوصية هماً شاغلاً أساسياً وأن يتم تطبيقها مع الوضع في الاعتبار الواجهة البرمجية للتطبيقات (API)”.
جهاز حكومي أكبر
أعرب مستثمرون من القطاع الخاص من دول مختلفة، طلبوا ألا تذكر أسماءهم عن اهتمامهم بتجارب البنك المركزي ولكنهم قلقون من الأصول ذاتية الإدارة.
يرى أنصار العملات الرقمية في دافوس، في هذه العملات طريقة لتحسين الحوكمة بدلاً من تقليل الاتكال عليها.
وقالت جياشن “من الأسهل تتبع التدفقات النقدية بالكامل ومن ثم يمكنك وضع سياسات نقدية أفضل. مع نظام قائم على البلوكتشين، ستمتلك الآن ردود فعل أفضل”.
وأضافت أن العديد من جهود البلوكتشين، بعيداً عن عملة البنك الشعبي الصيني ولكن مجاورة لها، تستهدف التجارة عبر الحدود.
في هذه الأثناء، ينشغل غلين ويل، عالم الاقتصاد وعراب مجتمع الإيثريوم، في عقد اجتماعات مع سياسيين من الاقتصادات الناشئة. وقال إنه ليس من المعجبين بالنهج الشيوعي الصيني، لكنه يأمل في تسخير العقلية الجماعية والمدنية في الصين لريادة أنظمة تحديد وتداول القيمة بعيداً عن الأصول التقليدية.
وقال ويل في مقابلة: “نحتاج في النهاية إلى امتلاك أموال أقل وأن نمتلك أشكالاً من قيمة ملائمة أكثر للسياقات الاجتماعية، مثل الحواف المرجحة في رسم بياني يمثل الامتيازات المستحقة. تمتلك الصين نظام ائتمان اجتماعي، لذا في بعض الأحيان تكون الأكثر انسجاماً مع البعد الاجتماعي للنقود”.
يعمل ويل مع منظمات مثل البنك الدولي لتطوير قانون حرية البيانات، الذي يشدد على أن جامعي البيانات يتحملون “مسؤولية ائتمانية ومسؤولية ديمقراطية” عن حمايته وعدم استخدام البيانات بشكل سافر دون موافقة وإلا تحملوا عواقب وخيمة. وقال ويل، إن الوثيقة تعمل على توفير إطار “للمفاوضة الجماعية”، لإعطاء المدنيين حرية أكبر في مواجهة المواقف الإشكالية التي يلقونها كأفراد.
وقال عضو اللجنة التنفيذية بالمنتدى الاقتصادي العالمي ليك، متحدثاً عن تجارب العملات المشفرة الصادرة عن البنوك المركزية، إن المنظمة تريد المشاركة أو الإسهام في هذه الجهود.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة