معظم نخب الشرق الأوسط في المنتدى الاقتصادي العالمي يشعرون بالارتياب تجاه البتكوين، لكن هناك شائعات تسري في الأرجاء، باحتمال التوصل إلى تسويات محتملة عابرة للحدود في قطاع الطاقة.
وفقاً لرجل الأعمال المصري محمد شفيق جبر، رئيس مجموعة أرتوك ARTOC للاستثمار والتنمية، تستكشف بعض الدول في الشرق الأوسط إمكانيات تسوية عقود النفط عبر البتكوين. لكنه رفض ذكر أي منها، ومعظم القادة المجتمعون في مؤتمر دافوس السنوي الذي ختم أعماله يوم الجمعة أصروا على أنهم يرون في الطبيعة ما بعد السيادية للبتكوين محرماً من المحرمات الخطيرة.
وقال المستثمر المصري أحمد هيكل، الرئيس التنفيذي لشركة القلعة، إنه ليس متحمساً للبتكوين “لعدم امتلاكها هيكلاً قانونياً” يمكنها من تسوية مثل هذه الصفقات الكبيرة. يحتاج الأمر لعقد على الأقل قبل أن تلجأ الدول أو شركات الطاقة لاستخدام البتكوين، على حد قوله.
وأعربت الوفود من عمان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عن رؤى سلبية مشابهة تجاه البتكوين بوصفها أصلاً مالياً، وكثيراً ما وصفوها بأنها وسيلة للقمار. لكن حين سئلوا عن إن كان بالإمكان استخدامها لتسوية عقود النفط، خصوصاً بالنظر إلى الضغوط الاقتصادية العدائية التي تفرضها الولايات المتحدة على الدولتين المصدرتين للنفط إيران والعراق، قال سياسي عماني، طلب عدم الكشف عن هويته: “يعتمد الأمر على هوية الطالب”.
تشكل العقوبات الأميركية هماً أساسياً في المنطقة، حيث حث الرئيس دونالد ترامب أوروبا على قطع العلاقات التجارية مع الدول العدوة المصدرة للطاقة. ورد الرئيس العراقي برهم صالح بخطاب يوم الأربعاء، 22 يناير/كانون الثاني، أكد فيه على أن من حق العراق توطيد علاقاته بجيرانه وفق شروطه وإرادته هو.
وشكك رجل الأعمال السعودي حمزة الخولي، الرئيس التنفيذي لمجموعة الخولي، في أن تصبح البتكوين عملة لتسوية عقود النفط إلا في حالات شاذة.
وقال في معرض حديثه عن جهود تجاوز الدولار الأميركي وتسوية عقود النفط باليورو: “لقد حاولنا لثلاثين عاماً. وحتى يجري تنظيم البتكوين مثل سوق الأسهم، لا أرى فرصة لحدوث ذلك”.
وقال بدر جعفر الرئيس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع، التي تسهم بقوة في قطاع النفط والغاز، إنه لا توجد حاجة ماسة لدى معظم اللاعبين في قطاع الطاقة إلى الابتعاد عن الدولار. وقال إن القادة ورجال الأعمال لا يثقون في العملات المشفرة حتى الآن، ويتوقع أن تشهد البتكوين مقاومة من البنوك المركزية، إذا انتشر استخدامها أكثر.
لكن، إن قرر المتعاقدون في قطاع النفط تجاوز الدولار إلى عملات أخرى، فسيكون ذلك مدفوعاً بعوامل سياسية مرتبطة بالصين وروسيا.
وقريباً سيكون هناك مصدر للعملة الرقمية يتشوق لمساعدة مصدري الطاقة المتأففين من الدولار في إيجاد أنظمة تسوية بديلة. وتركز الصين التي تحمل نفس المخاوف تجاه الثقة، تركيزاً كبيراً على الالتزام وفرص السوق العالمية.
طريق الحرير الصيني الجديد
يرى رجال الأعمال الصينيون مشاريع العملات المشفرة الأورو آسيوية خطوة ضرورية على طريق دخول أسواق السلع الأكثر تعقيداً.
قال رئيس وفد البلوكتشين الصيني داني دينغ إن العملة الصينية القائمة على البلوكتشين، والذي يتوقع هو أن يطرحها بنك الشعب الصيني على مقياس محدود في 2020، قد تقدم حلاً مبدئياً أساسياً لأسواق الطاقة.
وقال دينغ: “إن لدى البتكوين نظاماً إيكولوجياً دائم التوسع، لكنها لا تستطيع حتى الآن تحمل حجم التداولات في قطاع مثل هذا. يستخدم تجار النفط والغاز الرافعات المالية، وهذه الرافعات يجب أن تدعمها أنظمة مالية. قد تستخدم مناطق مثل إيران البتكوين أو أنظمة دفع أخرى. لكن الدول الأخرى التي لا تعاني من هذه المشكلة قد تلعب دوراً مهماً لصالح العقود القائمة على العملات المشفرة القومية”.
يرى دينغ بأن العملات النقدية أصبحت محملة بالأعباء السياسية، بدلاً من أن تكون أدوات تجارية مجردة. قال وانغ وي أحد أشهر المتعاملين في مجال البتكوين ورئيس ما يقرب من عشر هيئات ابتداءً من اللجنة الاستشارية لحوكمة الشركات في بورصة شنغهاي وصولاً إلى هيئة الاندماج والاستحواذ الصينية، إن البتكوين خسرت الفرصة لتكون العملة المهيمنة في العقود التجارية، وستقتصر وظيفتها على تخزين القيمة.
اتفق عدد من رجال الأعمال الصينيين الذين يعملون مع الحكومة وبنك الشعب الصيني على أن البنك قادر على تقديم أنظمة تسويات بديلة للدولار بحلول عام 2021. على سبيل المثال، قال تشانغ شوسونغ، الأمين العام للمركز الصيني لتطبيقات البلوكتشين، إنه بحلول موعد مؤتمر دافوس القادم، ستكون العملة الرقمية الخاصة ببنك الشعب الصيني، فعالة ومتداولة، “ليس في الصين وحدها، بل في كل أرجاء العالم”.
ونظراً لسيل التصريحات التي أصدرها الموظفون الحكوميون مؤخراً، فإن العمل على العملة المشفرة يجري على قدم وساق على حد قول دينغ، وأضاف شوسونغ قائلاً “هذه العملة ليست مثل ليبرا، وهي ستنطلق حتماً”. مشيراً إلى مشروع العملة العالمية الذي أطلقه فيسبوك، التي لم يعرف ميعاد طرحها حتى الآن.
في هذه الآونة ساعد وي رائد الأعمال الكازاخستاني تيلكتيس آدمبيكوف على تأسيس منصة EBX المرخصة لتداول العملات المشفرة في كازاخستان، عاشر أكبر مصدرٍ للنفط في العالم. تناول آدمبيكوف الغداء مع الوفد الصيني في دافوس لمناقشة مستقبل الأسواق العالمية في مطعم جبلي ذي إطلالة بانورامية. اقتبس آدمبيكوف من أقوال ماو تسي تونغ في خطاب شكر وجهه للوفد، وقد نال عليه تصفيقاً حاراً.
من منظور الوفد، يمثل آدمبيكوف شخصاً ملائماً لتطلعات الصين. فقد قضى ثماني سنوات من العمل في الصين قبل العودة إلى بلاده ليركز على خدمة أسواق العملات المشفرة المتحدثة بالروسية. هذا بالإضافة إلى أن كازاخستان تتميز بإطار تنظيمي وتشريعي مفتوح وتحتل موقعاً استراتيجياً في مبادرة الطريق والحزام الصينية.
من الصين إلى عمان، حيث اتفق كل رجال الأعمال والدبلوماسيين على أن الدولار يظل السيد المهيمن على أسواق السلع في المستقبل القريب. لكن الخيارات البديلة تطل في الأفق.
ورد ماثيو بليك المشرف على قطاع الأنظمة المالية في المنتدى الاقتصادي العالمي على سؤال إن كانت هذه الخيارات ستطيح بالدولار من على عرشه بحلول عام 2025، قائلاً إن دور الدولار متجذر إلى درجة “تمنع من استبداله بطريقة فعالة في غضون أربع سنين فقط”.
وربما تُسهِم البتكوين أو لا تُسهِم في هذا التحول.
قال بليك: “إن البتكوين أظهرت بعض الميزات التي قد تحوزها العملات الموزعة. وواجهت بعض التحديات والصعوبات أيضاً. تتمثل وظيفة العملة في أن تكون مخزناً للقيمة وأن تحظى بمستوى متجذر من الاستقرار. وهناك حاجة إلى توفر السيولة. ولم تمتلك البتكوين أياً من هذه الصفات حتى الآن”.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة