على مدار الأعوام الخمسة الماضية، كان البنك المركزي الصيني يستكشف مجال العملات الرقمية على أمل التفوق على بقية العالم في المدفوعات غير النقدية.
لكن لم يظهر إلا القليل عما يمكن أن تبدو عليه أي عملة رقمية رسمية جديدة - التي ستكون الأولى من نوعها - أو متى ستُطرح. نتيجة لذلك، أثيرت أسئلة حول كيفية تأثيرها على المواطنين والبنوك التجارية والشركات.
في الشهر الماضي، بعد أن حفز دعم الرئيس شي جين بينغ تقنية البلوكتشين blockchain الأسهم على الارتفاع، وتحذير مؤسس موقع الفيسبوك Facebook – مارك زوكربيرغ - الكونغرس الأميركي من أن جهود بكين للتحول نحو العملات الرقمية قد يجعلها تتفوق على صناعة المال الأميركية، زاد الارتباك والتكهن حول العملة الرقمية المقترحة.
إليكم ما يعتزم بنك الصين الشعبي فعله.
ما الذي نعرفه؟
منذ عام 2014، يعمل البنك المركزي الصيني على مشروع يسمى “DC/EP”: العملة الرقمية/المدفوعات الإلكترونية.
وعلى الرغم من أن التفاصيل حوله نادرة، إلا أن محافظ البنك المركزي يي غانغ قال إن الخطة تهدف إلى استخدام العملة الرقمية لتحل جزئياً محل القاعدة النقدية للصين، أو النقد المتداول. في الواقع، بدلاً من تبادل عملة اليوان الورقية، في المستقبل، فإن الصينيين الذين ما زالوا يعتمدون على النقد سيتحولون تدريجياً إلى المعاملات الرقمية.
قال السيد يي إن العملة الرقمية الجديدة لن تحل محل الأجزاء الأخرى من المعروض من النقود - مثل الودائع الموجودة في الحسابات المصرفية، والأرصدة التي تحتفظ بها تطبيقات الدفع مثل وي تشات WeChat وأليباي Alipay.
وأضاف البنك المركزي أنه لا يوجد جدول زمني لإطلاق العملة، لكن يبدو أن الصين تتفوق على الدول الأخرى التي تجري أبحاثًا مماثلة. إذ قال توماس أولسن، الشريك في شركة Bain & Company في سنغافورة: “معظم البنوك المركزية تدرس هذا الأمر، إذ أجرت سنغافورة وكندا وسويسرا تجارب متقدمة، لكن من المحتمل أن تكون الصين أول من يطلق عملة رقمية”.
لماذا يريد بنك الصين الشعبي إطلاق عملة رقمية؟
بموجب نظام المدفوعات الرقمية، سيكون من الممكن للحكومة تتبع المعاملات النقدية، التي قال المسؤولون إنها ستساعد في مكافحة عمليات غسل الأموال والقمار ومنع تمويل الإرهاب.
ولكن إلى جانب استبدال النقد، على المدى الطويل، يمكن أيضاً استخدام العملة الرقمية لبنك الصين الشعبي لتحسين كفاءة المعاملات عبر النظام المالي. على سبيل المثال، قد يوفر ذلك طريقة أفضل للبنوك التجارية لتسوية مدفوعاتها مع بعضها البعض.
إذا تبنت العديد من الدول عملات رقمية، فإن هذا قد يقلل من تعرض الصين للمؤسسات المالية الأميركية، مما يجعل البلاد أقل عرضة للعقوبات. أضاف السيد أولسن: “على المدى الطويل، يمكن لعملات البنك المركزي الرقمية إنشاء آلية تسوية مختلفة للمعاملات عبر الحدود بين البلدان، مما قد يقلل الاعتماد على التعامل بالدولار الأميركي”.
كيف سيسير نظام العمل بلا نقود ورقية عملياً؟
ظهر العالم غير النقدي بالفعل في المدن الكبرى في الصين. فبدلاً من حمل النقود، يحمل العديد من السكان بالفعل هاتفًا ذكيًا فقط، مع ربط تطبيق آنت تشات AntChat من أليباي أو تطبيق تنسنت Tencent الخاص بوي تشات بحسابهم المصرفي. وتُجرى عمليات الشراء داخل التطبيق، على سبيل المثال عن طريق مسح رمز الاستجابة السريعة QR للمورد، ثم ينقل تطبيقا Ant Financial أو تنسنت الأرصدة بين الحسابات. يمكن لآلية مماثلة أن تعمل لصالح العملة الرقمية للبنك المركزي.
بالإضافة إلى الهواتف الذكية، يمكن أيضاً نقل العملة الرقمية من خلال بطاقات الدفع المادية. إذ قال البنك إنه يخطط لجعل المعاملات تسير حتى عندما يكون المستخدمون غير متصلين بالإنترنت.
هل هناك مخاوف بشأن الخصوصية؟
جادل النقاد بأن استبدال النقد بعملة رقمية يمكن تتبعها يشكل تهديداً خطيراً للخصوصية، لأنه سيعطي البنك المركزي - أو البنوك التجارية التي تصدر العملة الرقمية - بياناً بمعاملات الجميع.
ووفقاً لتقرير لوكالة رويترز، وعد مو تشانغ تشون، رئيس أبحاث العملات الرقمية في بنك الصين الشعبي “بإرضاء الأشخاص الذين يطلبون عدم الكشف عن هويتهم في معاملاتهم”، ولكن “مع الحفاظ على التوازن” بين الخصوصية واتخاذ إجراءات صارمة ضد المعاملات غير المشروعة. لكن هذان الهدفان متناقضان - ولم يوضح البنك كيف سيوازن بين الاثنين.
وقال ليو ويس، المتحدث باسم رابطة البتكوين في هونغ كونغ، “أتوقع أن تكون هناك مقاومة وسيواصل البعض استخدام النقود، لأن الناس في الصين ما زالوا يقدرون خصوصية بعض المعاملات”.
هل ستُبنى العملة على نظام البلوكتشين أم التشفير؟
لم يقرر بنك الصين الشعبي ما هي التكنولوجيا التي تقف وراء عملته الرقمية. ولكن بسبب خطاب الرئيس الأخير حول أهمية البلوكتشين، خلط البعض بين الاثنين.
لقد كان مصطلح “البلوكتشين” نفسه محل جدال كبير، لكنه في صيغته الأصلية يعبر عن قاعدة بيانات غير مركزية يجري تخزينها عبر شبكة من أجهزة الكمبيوتر، بحيث تكون جميع المعاملات عامة ولا يحق لأي مستخدم واحد تغيير حسابات الأشخاص الآخرين.
لكن ربما يفضل البنك المركزي أن يكون مسيطراً على قاعدة البيانات، بما يمكنه فقط من عرض جميع المعاملات وتحرير السجلات. وقد دعا البعض هذا “نوع خاص مصرح به” من البلوكتشين.
يشير مصطلح العملة المشفرة “Cryptocurrency” عادةً إلى العملات الرقمية مثل البتكوين القائمة على تقنية البلوكتشين، التي لا يتحكم فيها كيان مركزي. وبهذا المعنى، فإن عملة بنك الصين الشعبي ربما لن تكون عملة مشفرة أيضاً.
ما علاقة هذا بعملة ليبرا الخاصة بالفيسبوك؟
حذر مارك زوكربيرغ الكونغرس الأميركي مؤخراً من أنه إذا جرى حظر مشروع عملة ليبرا Libra التابعة للفيسبوك، فقد يؤدي ذلك إلى تجاوز الصين للولايات المتحدة في مجال الابتكار المالي والنفوذ العالمي. وقال: “تتحرك الصين بسرعة لإطلاق فكرة مماثلة في الأشهر المقبلة”.
ولكن هناك اختلافات مهمة بين مشروع العملة الرقمية/المدفوعات الإلكترونية الصيني ومشروع ليبرا الخاص بالفيسبوك. فعلى الرغم من أنه من المرجح أن يجري دعم الأخيرة بسلة من العملات، مثل الدولار واليورو، إلا أن العملة الرقمية في الصين ستكون مدعومة باليوان.
وفي حين أن هدف الفيسبوك الصريح هو استخدام عملة الليبرا في جميع أنحاء العالم، إلا أن عملة الصين الرقمية ستخضع لضوابط رأس مال اليوان، التي تقيد كمية الأموال التي يمكن إخراجها من البلاد.
هل سيستبدل البنك المركزي الصيني بنوك التجزئة؟
إذا أمكن للناس الاحتفاظ بودائعهم من النقود الإلكترونية مباشرة في البنك المركزي، يمكنهم التخلي عن الوسطاء: بنوك التجزئة.
يدرك محافظ البنك المركزي السابق تشو شياو تشوان جيدًا المشكلات التي قد تظهر، إذ قال: “مع أنه من الناحية النظرية، يمكن أيضاً استخدام العملة الرقمية للبنك المركزي كخدمة تجزئة، لكن يجب أن نكون حذرين للغاية، بسبب الضربة الكبيرة التي قد تصيب النظام المالي القائم”. بمعنى آخر، لا يريد السيد تشو أن تصبح عملة البنك المركزي الرقمية تهديدًا للنظام المصرفي للأفراد.
بدلاً من ذلك، قال السيد مو من بنك الصين الشعبي إن العملة الرقمية ستصدر للمؤسسات المالية القائمة. وهذا يعني أن البنوك ستوزعها بعد ذلك للاستخدام من قبل العملاء، مثلما يحدث مع العملة الورقية الآن.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة