إدوارد وونغ هو المؤسس المشارك لشركة quantdisk.ai، وهي عبارة عن شركة تمويل استثمارات واستشارات استثمارية. بالإضافة لكونه المؤسس المشارك لمنصة تداول شانغهاي للأوراق المستقبلية.
يتسائل الكثيرون عن موعد تقديم الليبرا، وعن الجمعية التي ستدير تلك العملة المشفرة بقيادة فيسبوك. سيكون الحدث ضخماً، إذ أن الليبرا منتج جرئ وبديع وسيجلب النقاشات بخصوص النقود، والسيادة الحكومية، والتمويل الدولي، والرقابة التنظيمية، والخصوصية وغسيل الأموال إلى الواجهة. ستؤثر الليبرا على أسواق الائتمان والاسواق المالية، كيف ستؤثر على اقتصاديات المجتمعات، ودورات رأس المال بعد ذلك الحدث العالمي.
تقترح كلمة سكاي نت المذكورة في عنوان المقالة أن المقالة متشائمة بخصوص الليبرا، وأنها ستنحاز إلى المعتقدين بأن مجئ ليبرا سيكون وبالاً على العالم. إلا أن المقالة لا تقطع بذلك، ويرغب كاتب المقالة صدقاً في أن تكون الليبرا عملة مشفرة خارقة. لا داعي لأن يقلق المعتقدين بنهاية العالم على يد الذكاء الاصطناعي، فلا زال لديكم منتداكم الذي يمكنكم مناقشة الأمر فيه.
لِمَ يعد ظهور ليبراً مهماً؟
قبل أن تتطرق المقالة إلى التفاصيل وإلى رأي كاتبها في الليبرا، فسنلخص في البداية الخصائص الأساسية، غير المكتملة الخاصة بليبرا ودواعي القلق حولها. تدار ليبرا بواسطة جمعية من الشركات الدولية تشمل كل من فيزا Visa، وإي باي eBay، وباي بال PayPal، وماستركارد MasterCard، وأوبر Uber، وفودافون Vodafone. ستكون الليبرا عملة مشفرة مستقرة ومدعومة بسلة من العملات الكبرىس والأوراق المالية، وهو ما يعد خاصية مهمة للمال خصوصاً في حالة وجود احتمالات مرتفعة للتقلبات السعرية. سترتبط الليبرا بسلة من العملات النقدية وسندات الخزانة الأميركية، وليس بمؤشر أسعار المستهلك. ومع وجود 2.4 مليار مستخدم لفيسبوك، فإن إرسال المال من مستخدم لآخر سيكون رخيصاً وسريعاً وسهلاً. لا يمكن الاستهانة بصعوبة تلك الخطوة بالنظر للتكلفة المرتفعة والوقت اللازم لإتمام التحويلات المالية العابرة للحدود. تكمن الثغرة الأساسية في خطة فيسبوك أنه محظور في الصين، كما تسري شائعات عن استعداد الصين لطرح عملة رقمية سيادية خاصة بها. وستتطرق المقالة إلى أهمية السيادة المالية لاحقاً.
ومن ضمن النقاط التي يجب مناقشتها هو أن المعلومات الخاصة بنقل وإنفاق وحجم الحسابات ثمينة للغاية.لذا فإن الهواجس المتعلقة باستخدام فيسبوك، واتحاد ليبرا لتلك المعلومات، وخصوصاً بعد فضيحة كامبريدج أنالايتكا Cambridge Analytica، مشروعة. فعلى أقل تقدير، فإن تلك المعلومات منجم ذهب تسويقي، ويمكن استخدامها لأغراض شريرة. سيتحكم هذا الاتحاد في البيانات والأموال!
تلك مسألة تستوجب النقاش بالفعل، ولا تحاول المقالة تجاهل تلك المسألة أو دفن رأسها في الرمال بشأنها، إلا أن كاتب المقالة يرى أن الضمانات التنظيمية ستغطي تلك النقطة، بالإضافة لأن اتحاد ليبرا يتكون من شركات أخرى بجانب فيسبوك. تأمل المقالة، وتؤمن، أن إساءة استخدام تلك القوة لن تحدث، مهما كانت المغريات. تلك المسألة هي أحد الاحتمالات التي تنفتح عليها ليبرا، إلا أنها ليست الوحيدة.
فعلى عكس البتكوين، ستتواجد الليبرا على بلوكتشين قائم على الإذن، مما يلغي اللامركزية إلا أنه خيار براجماتي لضمان كفاءة التعاملات على مستوى العقدة. كما إدعى الاتحاد أنه بمجرد حل كل التعقيدات واستقرار الشبكة، ستنتقل الليبرا إلى بلوكتشين غير قائم على الإذن. لن يتأثر المستخدم النهائي، مثل المرسل والمستقبل والتجّار، بهذا الانتقال. فلن يكون له وقع كبير.
ستسخر فيسبوك طاقة كبيرة باعتبارها المحور المركزي لتسهيل إجراء المدفوعات بين مستخدميها، والتجار، وأعضاء ليبرا، وفيسبوك نفسها. وبدأت المحادثات بشأن منع الاحتكار في الاتحاد الأوروبي بالفعل، ومن المتوقع أن تبدأ وزارة العدل الأميركية ولجنة التجارة الفيدرالية في الانخراط في الأمر أيضاً. من الممكن ملاحظة كيف يمكن لفيسبوك وباقي الشركات أن توحد قواها إذا لم تأخذ السلطات التنظيمية حذرها وتتخذ الإجراءات والحيطة المناسبين.
وبالطبع، ستكون عملة مستقرة مثل الليبرا مغرية لسكان الدول ذات مستويات التضخم المرتفعة. إلا أن السؤال هو: كيف سيتسنى لاتحاد ليبرا أن يدير ويحافظ على سلة العملات الخاصة به؟ إذا ما وجدت ليبرا لنفسها موطأ قدم في السوق العالمي، فهل ستحول تلك القواعد المعدلة ليبرا إلى إتفاقية ن طريقبريتون وودز جديدة تحدد أسعار الصرف في بورصات العملات عن طريق حجم العملات المتوافرة بداخل سلتها؟
وأعربت الكثير من البنوك المركزية حول العالم عن “قلقها”، إذا ما شئنا استخدام لفظ مخفف، بخصوص ليبرا لعدة أسباب. فبدون وجود تحكم مباشر على عرض المال، كيف سيتسنى للجهات السيادية مراقبة أو تحفيز اقتصاداتها، ونسب الفائدة، أو الإقراض؟ ستفقد أدوات مالية مثل التيسير الكمي الخاصة بالبنوك المركزية كثيراً من فعاليتها وستتأثر سلطتهم المالية ويمكن لقوتهم أن تضمحل بالتزمان مع تعزز وضع الليبرا. ونظراً لإمكانية أن تصبح الليبرا بنكاً خارقاً، فستضمحل سلطة البنوك المركزية التنظيمية على البنوك التقليدية الضعيفة بالفعل. تمتاز البنوك بكونها محافظة بطبيعتها، وتمتاز البنوك المركزية بأنها أكثر محافظة لأن توصياتها لا تتلائم بالضرورة مع الأهداف المالية. هنا يمكننا ملاحظة ميادين المعارك الكبرى ومجالات الانتفاع الكبرى.
نظام عالمي جديد
ما أسوأ الاحتمالات؟ ربما تكون تقويض سيطرة الدول. يمكننا تقريب الصورة بالتفكير في هيئة مثل الأمم المتحدة، وبحوزتها أدوات مالية قوية لتنفيذ توصياتها، أو للتصرف باعتبارها جهاز الشرطة العالمي. لا تدعو المقالة للفوضوية أو أي شئ من هذا القبيل إلا أنه إذا فشلت الحكومات في خدمة شعوبها، وبالنظر لأن شرعيتها مستمدة من هؤلاء الناس، فلِمَ لا نحاول أن نبتدع إطاراً جديداً قد يساعد الناس بشكل أفضل؟
ولا يوجد ما يستدعي الظن بأن ذلك سيكون سيئاً بالضرورة. إلا أن هناك أمرين مؤكدين: لن تفرط الدول في سيادتها بسهولة وستقاتل من أجل الحفاظ عليها. والأمر الثاني هو أن نماذج أعمال العملات المشفرة ودورات النقد ليست مجربة جيداً أو مفهومة بشكل كامل. وبينما ارتفعت قيمة البتكوين (BTC) بمعيار القيمة وبمعيار حجم التداولات، فإن اعتماده كوسيلة مدفوعات لم يحدث بعد. ستؤدي ليبرا تلك الوظيفة بشكل أفضل بالنظر لعدد مستخدمي فيسبوك وحجم الأعمال الموجود عليها بالفعل، وإذا ما وضعنا في الاعتبار الشركاء الآخرين في اتحاد ليبرا، فإننا بصدد أمر سيغير قواعد اللعبة إلى حد بعيد.
يطرح ما سبق سؤالاً آخر: ما دول الحكومة في فرض السياسات النقدية والاقتصادية؟ هل يحق لترامب أن يجر البلاد خلفه إلى حرب تجارية مع الصين لصالح أجنداته الخاصة؟ أهذا ما نريده أم أن هذا ما اعتدنا على حدوثه، مما يحتم علينا أن نفكر في تجاوز تلك الأفكار؟
الاستنتاج
لا تزال العملات الرقمية في الدور التمهيدي ضمن سلسلة ألعاب من عدة لاعبين، لا تزال في طور الطفولة. للنقود وظائف متعددة ومنفصلة: 1) وسيط للتبادل وعملة قانونية، 2) مخزن للقيمة و3) وحدة محاسبية. وبحسب الوظيفة التي نتحدث عنها، فإن العملات النقدية كان لها أفضلية السبق لوقت طويل، إذ تواجدت لما يزيد عن 2000 عام. فمن المفهوم أن تحويل الثقة من الدول ذات السيادة إلى طرف آخر مستقل هي عملية سوف تستغرق وقتاً، ولكن هل يكون ركوبك لطائرة وائتمان حياتك لدى طاقم الطائرة وصيانتها وصنّاعها أقل مخاطرة؟
تتميز أهداف العملة الرقمية بالمثالية بالطموح: الكفاءة (انخفاض الرسوم والوقت اللازم)، ومدفوعات آمنة وتحريك الأموال بغرض توفير خدمات مالية وبنكية للجميع بشكل عادل. قيمة ثابتة. إمكانية التسييل والاعتماد عليها. لا يملك جزء معتبر من سكان العالم إمكانية الوصول لأي من تلك المميزات. يستحق هؤلاء الأشخاص فرصة المشاركة في الأحداث الاقتصادية المرتقبة.
ستضمن دمقرطة النقود فرصة عادلة لامتلاك الأصول، وبالتالي للاشتراك في الحكم الديمقراطي للمجتمع، بالإضافة إلى الوصول بشكل كامل إلى النظام البنكي، والذي يمول خلق رأس المال عن طريق صناعة النقود. إذا ما شُرح التفاوت بين العمالة وبين رأس المال، وبين الأغنياء والفقراء، باستخدام احتكار وصول أصحاب رأس المال إلى المميزات المالية، فإن تقليل هذا التباعد يعتمد بشكل أساسي على دمقرطة النقود. وبرغم أن الدور الذي يلعبه النقد والمال في تقرير اللامساواة بين رأس المال والعمالة يتخطى اي فهم معين للعملية التي يخلق بها النقد عدم المساواة، فإن اقتراحات بعينها لدمقرطة المال ستعتمد على شرح كيف ينشأ النقد وكيف يساعد على تراكم الثروة.
يجلب تقديم ليبرا كل تلك المسائل إلى الواجهة ويجبر الشركات والأفراد والحكومات على الاشتراك في عملية تطور العملات الرقمية. هناك بالطبع العديد من المسائل الخطيرة المتعلقة بليبرا، إلا أنه بدلاً من إدارة ظهورنا لتلك المسائل، فإنه يجب علينا تفهم دواعي القلق وأن نفكر في حلول تستطيع ليبرا بواسطتها خلق القيمة للمستخدمين وللشركات على حد سواء. يسمى ذلك ببساطة الابتكار التراكمي. لا زلنا بصدد التعود على المعدل الأسي للتغير.
وإلى جانب الحاجة إلى الإشراف ودواعي القلق التنظيمية، فلا زلنا بحاجة إلى فهم التطورات التكنولوجية، الأمن والخدمات التي يجب أن تتأسس كركن أساسي في هذا النظام العالمي. يجب أن تتأسس منصات التداول والمحافظ والخدمات الوصائية على أساس أمني متين عن طريق استخدام التكنولوجيا والتشريعات من أجل ضمان أمن وقابلية العملات المشفرة للنجاح. إلا أنه وبعد 2000 عام من تطور العملات النقدية التقليدية، فإن الأمر لم يصل لأوج الكمال بعد. هل قُتل شخص نتيجة سرقة العملات المشفرة؟ لا. يعد ذلك في حد ذاته تقدماً!
أحد الاحتمالات التي يجري الحديث عنها بكثرة أن عملة ليبرا لن ترى النور أبداً. سيكون ذلك أمراً مؤسفاً. إلا أن شركات مثل غوغل Google وأمازون Amazon وعلي بابا Alibaba وتينسينت Tencent وأبل Apple تراقب الوضع عن كثب وتخطط له بالتأكيد. فإذا لم يكن المستقبل من نصيب البتكوين بشكله الحالي، أو من نصيب ليبرا، فمن المؤكد أن المارد قد خرج من القمقم بالفعل. نحن بصدد إيجاد حل للأمر، وأعتقد أن ليبرا، بغض النظر عن إطلاقها أم لا، قد حفزت عملية التفكير الإبداعي. لنعط الأمر فرصة، ولنراقب عن كثب.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة