كانت الأعوام الخمس الأخيرة مرحلة اختبار لمشتقات البتكوين (BTC)، بدأت على استحياء حين ظهرت منصة بتميكس Bitmex تدريجياً إلى الوجود في عام 2014. والآن، مع كون العملات المشفَّرة تستعد للدخول لعقد جديد، سوف يصبح لمنتجات المشتقات دور محوري في اكتشاف الأسعار. عام 2020 سوف يكون عاماً مهماً للبتكوين ولأسواق العقود الآجلة، حيث ستُحقق أرباح وخسائر بمليارات الدولارات الأميركية؛ لتبدأ السوق المتجهة للصعود القادمة.
بداية عام من مشتقات البتكوين
في عام 2019، اقتربت أحجام تداول العقود الآجلة للعملات المشفَّرة من أحجام تداول السوق الفورية. أمَّا في عام 2020، فإنَّ العقود الآجلة في طريقها لتخطي مستويات التداول بالسوق الفورية ومواصلة المضي قدماً؛ إذ إنَّ نجاح منصتيّ المشتقات بينانس فيوتشرز Binance Futures وبتميكس، والمنتجات الجديدة من أمثال إف تي إكس FTX ودايدكس Dydx وسينثتكس Synthetix، أقنع العديدين أنَّ عام 2020 يمكن أن يكون “عام المشتقات”. وجهات التنظيم الأميركية تضفي مصداقية على هذه الفكرة: إذ إنَّ لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأميركية CFTC، وهي الجهة التنظيمية المستقلة المعنية بضبط أسواق العقود الآجلة والخيارات في البلاد، ألمحت في الآونة الأخيرة إلى أنَّها من الممكن أن تصدّق على منتج جديد لمشتق مالي قائم على العملات المشفَّرة ومدعوم من جانب شبكة الإيثريوم Ethereum خلال عام 2020.
صحيح أنَّ المنتجات الخارجة عن المألوف تعمل على جذب الجهات الفاعلة ورأس المال الجديدين إلى سوق مشتقات العملات المشفَّرة. لكن هل سيحقق الارتفاع المفاجئ في المنتجات الجديدة حجم تداول كافياً، بحيث يكون له دور في رسم ملامح حركة أسعار البتكوين خلال العام القادم؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن هو المستفيد الأكبر؟
سيل من عمليات تطوير المشتقات
تنوي منصة التداول السنغافورية باي بت Bybit الانتقال إلى الأسواق التايلاندية والتركية والفيتنامية والأسبانية، ومن المرجح لمنتج منصة أوكي إكس Okex الجديد للتداول بنظام المقايضة الدائمة بهامش ربح بعملة التيثر (USDT) أن يكتسب شعبية، ومن المتوقع أيضأً لمنتجات المشتقات اللامركزية أن تشهد نطاقاً أوسع من الاستخدام، في ظل استمرار تبني الخدمات المالية اللامركزية. أمَّا سينثتكس، ثاني أكبر تطبيق خدمات مالية لامركزية في نظام الإيثريوم الإيكولوجي، فقد أعلن لتوه عقده شراكة مع شركة تشين لينك Chainlink؛ مما يعني أنَّه لم يعد مضطراً للاعتماد على تغذيات الأسعار المركزية في آليته لتداول المشتقات.
بات أمام متداولي اليوم وفرة من الخيارات؛ حيث إنَّ منصات تداول العقود الآجلة للبتكوين تغذي شهيتهم للروافع المالية العالية على تشكيلة من الأصول الرقمية. إضافةً لأنَّ المتداولين ليسوا محصورين في البتكوين والإيثريوم: بإمكانهم بيع أو شراء العملات البديلة من قبيل كاردانو (ADA) وإنجين (ENJ) وتومو (TOMO) وستيلر (XLM)، إذا كانوا يشعرون بالجرأة.
إلى جانب أنَّ منافذ التداول بالعملات المشفَّرة باستخدام العملات النقدية، كالحساب المصرفي الافتراضي وبطاقة الخصم المباشر من منصة بلوتوس Plutus، زادت من جاذبية منصات تداول المشتقات للمستثمرين الأفراد، الذين لم يعودوا محصورين في عملة التيثر (USDT)؛ وهذا التحويل المعزز بين العملات المشفَّرة والنقدية يعني أنَّ باستطاعة المتداولين صرف أرباحهم أو إعادة استثمارها دون الحاجة لاجتياز عدة عراقيل. إنَّ الخدمات التي على غرار منصة بلوتوس تتيح إمكانية التحويل بين العملات المشفَّرة والنقدية ضمن تطبيق واحد فقط يشكّل منصة انطلاق ومخرجاً للمتداولين الذين يسعون للتعرّض لاقتصاد العملات المشفَّرة الأوسع نطاقاً. وفي حين أنَّ المتداولين يغفلون غالباً عن وجود صلات أفضل بالعملات النقدية عند تقييم صحة أسواق المشتقات، إلا إنَّ هذه المنافذ لها أهمية بالغة في تحفيز تدفقات رأس المال الداخلة.
تصاعد حدة أسواق العقود الآجلة في الولايات المتحدة
من ناحية الاهتمام المؤسسي بالعقود الآجلة للبتكوين، ستكون الولايات المتحدة، حيث تحدث معظم الابتكارات، هي مَن يفرض الأمور. من المنصات التي تسعى لأن يكون لها دور رئيسي منصة باكيت Bakkt، التي أطلقت خيارات وعقود آجلة مسددة نقداً للبتكوين في الولايات المتحدة في أواخر عام 2019. ومع أنَّ السابقة هي أول عقود آجلة منظّمة للبتكوين حاصلة على موافقة روتينية من لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأميركية، فإنَّ اللاحقة ستكون متاحة مبدئياً عبر منصة تداول العقود الآجلة التابعة لشركة إنتركونتننتال إكستشينج في سنغافورة ICE Futures Singapore. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، بلغ الاهتمام المفتوح بالعقود الآجلة للبتكوين من منصة باكيت أعلى مستوياته عند 6.5 مليون دولار أميركي. ومع تبوؤ المديرة التنفيذية للمنصة، كيلي لوفلر، منصبها في مجلس الشيوخ الأميركي، فإنَّ الأشهر الـ12 القادمة بدأت تتخذ شكلاً مثيراً للاهتمام.
باكيت ليست المنصة الوحيدة التي تشارك في سوق خضعت لتطوّر هائل منذ سعى المتداولون للمرة الأولى للتربّح من وراء انخفاض الأسعار خلال الركود الاقتصادي عام 2018، إذ إنَّ مشتقات البتكوين على منصة بينانس Binance فاقت أحجام تداول طرحها في السوق الفورية عدة مرات خلال عام 2019؛ الأمر الذي دفع القوة الساحقة لاستثمار مبلغ لم يُفصح عنه في منصة المشتقات إف تي إكس؛ جاء هذا بعد أن كانت بينانس قد استحوذت بالفعل على منصة تداول المشتقات والسوق الفورية المسماة جيكس JEX؛ في خطوة مكّنتها من إضافة الخيارات والعقود الآجلة إلى منصتها.
بمناسبة الحديث عن مشتقات البتكوين، احتفل تيم ماكورت مجموعة بورصة شيكاغو التجارية CME Group في الآونة الأخيرة بالذكرى السنوية الثانية لبدء عمليات البورصة في هذا المجال. وفي مقال قصير أشار إلى “منحنى العمليات الآجلة” في السوق، كشف ماكورت عن أنَّ بورصة شيكاغو التجارية تداولت عقوداً تجاوزت قيمتها 2.4 مليون دولار أميركي، بقيمة اسمية فاقت 92 مليار دولار أميركي من 12.5 مليون بتكوين. يتكهن البعض أنَّ هذا الاهتمام المتنامي بمنصات التداول مثل باكيت وبورصة شيكاغو الأميركية نابع من انخفاض حدة تقلب أسعار البتكوين مقارنةً بالأعوام السابقة. على أي حال، فإنَّ الوفرة في مثل هذه المنصات من شأنها أن توفر للمتداولين بالمشتقات الكثير من الخيارات.
المنافسة بدأت تزداد شراسةً
في الوقت الذي تتنافس فيه الجهات الفاعلة للمشتقات على حصة في السوق، بدأت ساحات المعارك تزداد تركيزاً ووضوحاً؛ فقد أعلنت بليد Blade، منصة التداول التي تتخذ من مدينة سان فرانسيسكو الأميركية مقراً لها والمدعومة من جانب أصحاب رؤوس الأموال المخاطرة في سيليكون فالي Silicon Valley، لتوها التزامها بالتداول دون رسوم؛ في تحدٍ صارخ لمنصة التداول بالمقايضة الدائمة العملاقة بتميكس. بالإضافة إلى ذلك، مواصفة منصة بتديكس Bitdex ببروتوكول أوما UMA تمثّل مساراً محتملاً للمقايضات الدائمة، وإن كانت هناك حاجة لمزيد من الجهود من أجل تطوير هذا المفهوم.
إذن، ما الذي يعنيه كل الارتفاع المفاجئ في النشاط بالنسبة لسعر البتكوين؟ بحسب ميلتم ديميرورز، كبير واضعي الاستراتيجيات لدى شركة كوين شيرز Coinshares، نمو أسواق مشتقات العملات المشفَّرة يعني أنَّ سعر البتكوين بدأ يصبح أقل أهمية؛ الأمر الذي سوف يبقيه تحت السيطرة حتى بعد عملية التنصيف. يعتقد ديميرورز أنَّ تطوّر البتكوين إلى أصل قابل للاستثمار سيؤدي في الواقع إلى فصل سعره عن قيمته وعن العرض والطلب عليه على حد السواء. وفي ظل الاهتمام الأوسع نطاقاً الذي بدأت تحظى به سوق مشتقات العملات المشفَّرة، ربما سيختار عدد أكبر من المستثمرين التحوّط في صفقاتهم باستخدام المشتقات في سبيل إدارة المخاطر السعرية؛ الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لتقلب أقل في الأسعار.
في المجمل، يبدو أنَّ أسواق مشتقات البتكوين تتمتع بصحة قوية، حتى وإن كانت ما زالت صغيرةً عند مقارنتها بأسواق السلع الأخرى. أحد أسباب ذلك هو أنَّ المستثمرين التقليديين سينجذبون على الأرجح للعملات المشفَّرة نتيجةً لكونها مألوفة بالنسبة لهم؛ نظراً لأنَّ المشتقات تُستخدم بانتظام في أسواق المال العادية. في الواقع، هناك عدد كبير للغاية من جهات التداول المؤسسية التي كانت مترددة حتى الآن في التعامل مع العملات المشفَّرة بسبب قلة أدوات التحوّط من المخاطر وإدارتها في عمليات التداول. من ثم، يُفترض بعام 2020 والعقد الزمني الذي يبدأ به أن يُحقق رافعة مالية أكبر لمشتقات العملات المشفَّرة، بما فيها العملات الموجودة في النظام الإيكولوجي للخدمات المالية اللامركزية، وسيولةً أكبر، ومنافسةً أكبر من الجهات الفاعلة القديمة والجديدة.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة