البروفيسور فيليب ساندينر هو رئيس مركز البلوكتشين في جامعة فرانكفورت. ويعد بروفيسور ساندينر خبيراً في البلوكتشين والأصول المشفرة وتكنولوجيا السجلات الموزعة.
أصدرت ألمانيا في الثامن عشر من سبتمبر/أيلول تقريراً يحدد استراتيجية البلاد بشأن البلوكتشين (يمكن قراءة التقرير من خلال هذا الرابط). يعد التقرير جيداً إلى حد كبير وليس مجرد مجموعة من الإجراءات الفردية. بالطبع، كان من الممكن إدراج المزيد من الجوانب المرغوب فيها. ولكن على أي حال، فإن ألمانيا من أوائل الدول في الاتحاد الأوروبي التي منحت تلك التكنولوجيا برنامجاً يمكن وصفه بـ”الإستراتيجية القومية”. توضح تلك الإستراتيجية كيفية تنظيم الأنواع الآتية من التوكنات المالية: الأوراق المالية، النقود، الأصول المشفرة، العملات المستقرة. وستساعد تلك القواعد الجديدة في إشاعة حالة من الاطمئنان وبناء أساس يساعد على زيادة الديناميكية في القطاعات العامة (الشركات الناشئة، المستثمرين، الشركات الصناعية، والمؤسسات المالية).
البلوكتشين على أجندة الحكومة الألمانية والوزارات
من الرائع أن تولي الحكومات اهتماماً كبيراً لهذه التكنولوجيا. فبغض النظر عن تفاصيل إستراتيجية البلوكتشين، فإنه من المهم لتطور النظام الإيكولوجي للبلوكتشين أن يكون البلوكتشين مدرجاً على أجندات الحكومة الفيدرالية وعدة وزارات. يرجع السبب في ذلك إلى أن تطوير إستراتيجية خاصة بالبلوكتشين يعني فهم الكثير من الأشخاص، في عدة مستويات إدارية وعدة وزارات، للموضوع بشكل جيد.
وبذلك، سيطرح البلوكتشين على أجندات الشركات أيضاً، مما يستدعي ذكر التالي:
- هل لدى الشركات الألمانية إستراتيجية فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي؟ نعم، لدى الكثير منها إستراتيجية بهذا الخصوص.
- هل لدى ألمانيا إستراتيجية قومية للذكاء الاصطناعي؟ نعم.
- هل لدى ألمانيا إستراتيجية للبلوكتشين؟ نعم، بدءاً من الثامن عشر من سبتمبر.
- هل لدى الشركات الألمانية إستراتيجية للبلوكتشين؟ لا توجد إستراتيجية معلن عنها في الوقت الحالي.
يعني ذلك أن الحكومة بادرت بتطوير إستراتيجية للبلوكتشين في الوقت الذي لا تزال فيه مئات الشركات متوسطة وكبيرة الحجم، والتي تنتج آلات عالية الجودة، ومجسات وأجهزة خاصة بالسيارات، بعيدة عن تطوير استراتيجية للبلوكتشين حتّى الآن.
هناك استثناءات بالتأكيد، فشركات مثل بوش Bosch، وديملر Daimler وإينوجي Innogy، وكويمرز بانك Commerzbank ودويتشه بورص Deutsche Borse وساب SAP ودويتشه تيليكوم Deutsche Telekom تستكشف إمكانيات تكنولوجيا البلوكتشين. إلا أن معظم الشركات الألمانية (أو ما تسمى بشركات “الميتلستاند” Mittelstand، ومن ضمنهم مئات الشركات الرائدة) لم تقم بذلك حتّى الآن.
التركيز على الشق المالي، والأصول المشفرة، والأوراق المالية
ويبدو أن الإستراتيجية المطروحة قد أولت اهتماماً خاصاً بالشق المالي مع وجود مهام واضحة من المقرر أن يجري تنفيذها في الأشهر والسنوات المقبلة. وباختصار شديد، فهذا ما سيحدث:
1. الأوراق المالية على البلوكتشين: البدء بأدوات الدين (أو ما يعرف بـSchuldverschreibungen) لتجربة الأوراق المالية غير المادية.
2. عملة اليورو على البلوكتشين: جرى ذكر قواعد النقود الإلكترونية ولذلك فقد أُوصي بإدراج اليورو على أنظمة البلوكتشين. لمزيد من التفاصيل، انقر هنا.
3. الأصول المشفرة التقليدية مثل البتكوين (BTC) والإيثريوم (ETH): تم السماح بتداولها مؤسسياً تحت مظلة رخصة من الهيئة الرقابية الألمانية، وسيتم إصدار تلك الرخصة في المستقبل القريب. لمزيد من التفاصيل، انقر هنا.
4. العملات المستقرة الخاصة مثل ليبرا، والتوكنات المدعومة بالذهب: سيتم حظرها على الأرجح.
ولمزيد من التوضيح (على حساب الدقة):
- الأوراق المالية: ضوء أخضر.
- اليورو على البلوكتشين: ضوء أخضر.
- البتكوين والعملات الأخرى: ضوء أخضر
- العملات المستقرة الخاصة: ضوء أحمر.
وبالقراءة ما بين السطور، فمن المثير للاهتمام أن تلك الإستراتيجية قد منحت الأصول المشفرة مثل البتكوين والإيثريوم الضوء الأخضر فيما حظرت المقاربات التي يمكن لها أن تستبدل اليورو كوسيلة مدفوعات يومية، أي العملات المستقرة الخاصة مثل الليبرا وخلافه.
طيف واسع من الإجراءات الأحادية
وتتضمن إستراتيجية البلوكتشين العديد من المشاريع البحثية والتي تم الموافقة عليها من قبل، وإعلانات عن مشاريع بحثية مستقبلية، وخطط لتجارب، وإثباتات محتملة للمبدأ في مجال الإدارة العامة، وحلقات نقاش بخصوص مواضيع بعينها.
ويعد ذلك منطقياً إلى حد كبير إلا أن وجود إطار جامع لتلك الإجراءات لا يزال مفقوداً. ومع ذلك، فإن البلوكتشين تكنولوجيا عابرة للتصنيفات. وبذلك فمن المنطقي أن تستكشف الإستراتيجية كافة حالات الاستخدام. وفي هذا الصدد، فإن الشركات الناشئة والمصانع لا تفعل شيئاً.
بعض الجوانب المثيرة للاهتمام
ومن المثير للاهتمام أن تضع إستراتيجية البلوكتشين بعض التركيز على المناطق التي لم يوليها النظام الإيكولوجي للبلوكتشين الاهتمام الكافي حتّى الآن. فعلى سبيل المثال، فقد ذكر في المستند أن تعاملات البلوكتشين يجب أن تستخدم كدليل من الناحية القانونية. وبذلك، فإن تعاملات البلوكتشين يمكن أن يستدل بها في المحكمة عند الرغبة في إثبات أمر ما. إلا أن ذلك يجعل الأمور أسهل بكثير لآلاف من المحامين، ومئات القضاة، والعديد من المحاكم إذا ما أقرت الحكومة الفيدرالية بإمكانية استخدام تعاملات البلوكتشين كدليل في المحاكم.
ثانياً، فإن إستراتيجية البلوكتشين تتضمن خططاً للحصول على درجات جامعية وشهادات لإدارة وتشغيل أنظمة البلوكتشين. ومن وجهة نظر حالات الاستخدام الأكبر حجماً، فإن ذلك لا يعد حالة استخدام جذابة. ولكن، ومن وجهة نظر أخرى، فإن تلك الخطوة تعد مقدمة للوصول إلى الشريحة الأصغر من المستخدمين والذين من الممكن أن يستفيدوا من تسجيل إنجازاتهم وأجزاء من بيانات سيرهم العملية، مثل الدرجات العلمية والشهادات، على البلوكتشين.
جوانب مفقودة يمكن أن تجعل من الإستراتيجية أكثر جرأة
تتمتع الحكومة بشكل طبيعي بسلطة على العديد من المؤسسات وعلى جزء معتبر من البنية التحتية للبلاد. فعلى سبيل المثال، فالتعامل مع الجوانب الآتية: الهوية على البلوكتشين، التسجيل التجاري، والكتبة العموميين، والانتخابات، وحصص شركات المسئولية المحدودة على البلوكتشين.
وجرت الإشارة إلى التطورات الجارية على المستوى الأوروبي إلا أن الإجراءات المخطط لها تبدو غير متسقة بشكل جيدة مع خطط الاتحاد الأوروبي. ولهذه النطقة جانبان. فمن ناحية، فإن التنسيق المشترك من أجل تطوير مقاربة مشتركة على مستوى الاتحاد الأوروبي أمر رائع. ولكن من ناحية أخرى، فإذا لم تتحرك أوروبا ككل بالسرعة الكافية، فإن التحرك وحيداً على المستوى القومي يعد منطقياً. تتحرك دول أخرى (الصين، الولايات المتحدة الأميركية، كوريا الجنوبية، إلخ..). وهم ليسوا بانتظار الاتحاد الأوروبي. ولذلك، وبحسب الطريقة التي يمكن النظر بها إلى الأمر، فإن التحركات في ألمانيا يمكن تثمينها. وبشكل آخر، فإن ألمانيا لها سبق الرايدة في أوروبا، وللريادة جوانب إيجابية وأخرى سلبية. وبشكل عام، فإن كاتب المقالة يرى في النهاية أن تحرك ألمانيا يعد أمراً إيجابياً.
ولا تؤثر تلك الجوانب المفقودة على إستراتيجية البلوكتشين سلباً بدرجة كبيرة. كان من الممكن إضافتها لأن أهمية تلك الجوانب ستزداد في المستقبل. ولذلك، يجب وضع تلك الجوانب على أجندة المستقبل لكي يتم تضمينها في الإستراتيجية المقبلة للبلوكتشين.
ختام
إذا ما قدرنا حجم المبالغ التي يجري استثمارها في البلوكتشين في كل تلك الإجراءات بالنيابة عن الحكومة، فسيكون من حقنا أن نجادل بأن كل عناصر البلوكتشين ليست باهظة التكاليف. سيتم إنفاق المال على تلك الإجراءات، إلا أن الاستثمار الكلي، بالمقارنة بالمجالات الأخرى التي يجري إنفاق المال فيها، يعد منخفض التكاليف إلى حد كبير.
لا وجود لاستثمارات ضخمة، يبلغ حجمها 100 مليون يورو على سبيل المثال، في تكنولوجيا البلوكتشين. ولا وجود لصندوق لتمويل الابتكار لتطبيقات البلوكتشين. تقوم دول أخرى مثل كوريا الجنوبية بفعل ذلك وتستثمر مئات الملايين من الدولارات على تكنولوجيا البلوكتشين. وفي مجالات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي، فإن ألمانيا تقوم بإجراءات مشابهة. ولذلك، فإن عدم وجود نوع من التمويل للابتكار في البلوكتشين هو أمر ينقص تلك الاستراتيجية.
إلا أن السؤال: هل ينقص تلك الإستراتيجية وجود التمويل؟ يجب التفكير بشكل أكثر تعمقاً بشأن تلك الأسئلة مع وجود مجموعة من القواعد الواضحة بشأن كيفية التعامل مع التوكنات المختلفة (توكنات الأوراق المالية، توكن اليورو، التوكنات المشفرة، العملات المستقرة)، ولدى الشركات الناشئة وشركات الأعمال أرضية قانونية يمكنهم البدء منها. ويجري الآن إعداد تلك القوانين الواضحة، وسيتفرع منها قوانين تخص الأصول المشفرة مثل البتكوين والإيثريوم، وستدخل حيز التنفيذ بدءاً من يناير/كانون الثاني من عام 2020.
ولذلك، فإن الشركات الناشئة والشركات الأكبر حجماً يمكنها البدء في الاستثمار في تلك التكنولوجيا لأن الأساس القانوني أصبح أكثر وضوحاً ولم يعد “ضبابياً”. وربما يكون وجود تلك القوانين مبكراً بدلاً من أن تتأخر أفضل من إنشاء “صندوق تمويل عام للبلوكتشين”؟ هذا سؤال مفتوح ولا يعدو كونه خاطرة.
إجمالاً، يمكن القول بأن الإستراتيجية القومية للبلوكتشين هي خطوة جيدة لصالح ألمانيا ولأوروبا. يمكننا دوماً القول بأن الخاصية أ غير موجودة وأن الجانب ب لم يطرح. إلا أن الإستراتيجية بشكل عام جيدة إلى حد كبير وتتجاوز كونها مجرد إجراءات فردية. والنقطة الأساسية التي سمحت لنا بإصدار هذا الحكم على الاستراتيجية أن أهم جوانب تكنولوجيا البلوكتشين (التمويل، النقود، الأوراق المالية، الأصول المشفرة، إلخ) تم التعامل معها بشكل واضح في تلك الاستراتيجية. وربما تخلق تلك القواعد، وبخاصة تلك المتعلقة بالسماح للمؤسسات المالية بتجارة وتأمين الأصول الرقمية مثل البتكوين والإيثريوم، نوعاً من الديناميكية في حركة البنوك الألمانية لأن تلك القواعد توفر أساساً قانونياً واضحاً (وإن كان غير مثالي) يمكن العمل انطلاقاً منه.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة