تستمر الاحتجاجات في هونغ كونغ بعد أربعة أشهرٍ بينما يشهد العالم أكبر انتفاضة انشقاق سياسي في المنطقة منذ “تسليمها” عام 1997 من بريطانيا إلى الصين. وقد لجأ المتظاهرون مؤخراً إلى ارتداء أقنعة غاي فوكس، لكن يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول، طبَّقت كاري لام الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ قوانين طوارئ تعود إلى الحقبة الاستعمارية وتحظر استخدام الأقنعة. وأخبرت كاري لام كذلك سكَّان هونغ كونغ بأن الحكومة يمكنها “سنُّ أية لوائح على الإطلاق” وقد انتاب الجماهيرَ غضبٌ عارمٌ منذ شرَّعت القوانين.
قادة هونغ كونغ يثيرون حنق المتظاهرين بقوانين طوارئ من الحقبة الاستعمارية تحظر الأقنعة
تتواصل الاضطرابات السياسية في هونغ كونغ مع وقوع المنطقة الإدارية بأكملها في صراعٍ بين مواطنيها ومسؤولي هونغ كونغ والصين. ما بدأت مظاهراً ضد مشروع قانون تسليم المجرمين لـ2019 تحوَّلت إلى ثورةٍ كاملةٍ من أجل التحرُّر السياسي من قيود الصين. ولأشهرٍ طالبت التظاهرات بسحب كاري لام مشروعَ القانون الذي من شأنه السماح لقوى إنفاذ القانون الصينية بتسليم أي أحدٍ من المنطقة إلى برِّ الصين الرئيس في حال وُجِّهت إليه تهمةٌ جنائيةٌ. وطالب المتظاهرون كذلك بالعفو عن المتَّهمين جنائياً، ويريدون تحقيقاً كاملاً في قوة شرطة هونغ كونغ. وآخر مطلبَين من “المطالب الخمسة” هما تعديل كاري لام لمفهوم الاحتجاجات السلمية بدلاً من تسميتها الحالية بـ”أعمال الشغب”، وكذلك حقوق الانتخاب الشاملة. بالأساس، يعني ذلك أن يُسمح للمواطنين بالتصويت على قادتهم دون تدخل صيني.
وقد نادى تشين هواتيان مؤيِّد استقلال هونغ كونغ المواطنين أيضاً بتحرير أنفسهم من أغلال الصين المالية وأصرَّ أن على الناس سحب ودائعهم جماعياً من البنوك الصينية العاملة بالمنطقة. ثم في الرابع من سبتمبر/أيلول، عقدت كاري لام مؤتمراً صحفياً أعلنت فيه سحبها لمشروع قانون تسليم المجرمين. وعلى الجانب الآخر، عقد قادة الاحتجاجات مرتدو الأقنعة هم الآخرون مؤتمراً إخبارياً قالوا فيه إن سحب كاري لام لمشروع القانون ليس كافياً. والآن يرتدي متظاهرو هونغ كونغ بانتظامٍ أقنعة غاي فوكس من فيلم “V for Vendetta”. وقد أصبحت أقنعة غاي فوكس رمزاً مشهوراً لمنظمة النشطاء المخترقون السرية أنونيموس Anonymous، وارتداها الكثيرون في أثناء تظاهرات “احتلوا وول ستريت Occupy Wall Street” في نيويورك. وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الفائت، بينما احتفلت الصين بالذكرى السنوية السبعين لحكمها الشيوعي، عمَّت الاضطرابات شوارع هونغ كونغ. إذ اندلعت مناوشاتٌ بين المتظاهرين والشرطة، وأطلق موكب ضباطٍ عسكريين مدافع ماءٍ وغازاً مسيلاً للدموع على التجمهرات.
ومنذ ذلك الحين، طبَّقت كاري لام قواعد شديدة القدم على مواطني هونغ كونغ تعطي الحكومة الصلاحية لفعل أيِّما يحلو لها. إذ يمكن إلقاء القبض على الناس لارتداء أقنعة غاي فوكس، وأصبح هناك حظر تجوُّل بالمنطقة، ورقابة إعلامية، وسيطرة كاملة على جميع أنظمة المواصلات لأسباب متعلقة بالطوارئ. وقد فاقمت القواعد الديكتاتورية الوضع بالنسبة لكاري لام ورفقائها الصينيين إذ نزل المتظاهرون إلى الشوارع ليلاً وواجهوا الشرطة مجدداً. وكذلك اجتاحت مئات من مناهضي الحكومة الصينية فرع بنك الصين في هونغ كونغ. وحطَّم المحتجُّون الواجهة الأمامية الزجاجية وبنكاً صينياً آخر يُدعى تشينا لايف China Life. وقال مارتن لي، الناشط المخضرم وأحد أبرز محامي هونغ كونغ: “هذه لوائح عتيقة استعمارية، ولا تستخدمها إلا إذا لم تعد قادراً على التشريع. وحالما تبدأ، فلا حدود لها”.
مراقبو الوضع يؤمنون بأن الصين ستكثف الصراع باستخدام ضوابط رأس المال وقطع قناة هونغ كونغ نحو التمويل العالمي
بينما هو صحيحٌ أن أسعار البتكوين (BTC) في هونغ كونغ قد شهدت زيادات كبيرة، فليست الانتفاضة حدثاً يهدف إلى جعل البتكوين العملة الأساسية في العالم. على الأقل حتى تقرِّر كاري لام والحكومة ما هو أكثر من مجرَّد تجريم الأقنعة وحظر التجوُّل. فمن سبيل الصدفة، في الوقت ذاته للاضطرابات الناجمة عن الاحتجاجات، ناقش تشارلز لي، الرئيس التنفيذي لشركة هونغ كونغ للبورصات والمقاصة Hong Kong Exchanges and Clearing، مسألة ضوابط رأس المال الصينية. إذ علَّق لي ساخراً بإحدى فعاليات الأسبوع الماضي في لندن قائلاً: “فكرة أن تُرخي الصين بالفعل يوماً ما ضوابطها لرأس المال… سنواصل الحديث عن الأمر لأكثر من 20 عاماً”.
حقيقة الأمر هي أن هونغ كونغ لطالما كانت قناة الصين نحو التمويل العالمي. وقد كان كثيرٌ من مناصري العملات المشفرة شهوداً على حين حظرت الصين منصات تداول العملات المشفرة النشطة على البر الرئيس. ولم توقف شركات العملات المشفرة الموجودة في الصين أعمالها، بل نقلت ببساطةٍ كل شيء إلى هونغ كونغ. ومع امتلاك كاري لام الآن سلطاتٍ ديكتاتوريةً شبيهةً بزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، فقد يتضرَّر القطاع المالي إلى أجل غير مسمى.
وقد غرَّد كايل باس، كبير موظفي الاستثمار بشركة هايمان Hayman لإدارة رؤوس الأموال يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول قائلاً إن هونغ كونغ “تخرج عن السيطرة”. وعلَّق باس: “الناس يصطفُّون عند ماكينات الصرف الآلي لسحب نقودها. هكذا هي حال المركز المالي في آسيا. لقد كان انحدار القانون العام البريطاني نحو الحكم الشيوعي بالقانون مميزاً بحق”. ويؤمن باس بأن كاري لام ستطبِّق مزيداً من القوانين الاستبدادية، مضيفاً: “التالية هي ضوابط رأس المال في هونغ كونغ. قانون الطوارئ يمنح لام سلطات سيادية لمصادرة الحسابات البنكية، وقطع الإنترنت، ومصادرة العقارات، والاعتقال العشوائي. كل هذا يأتيكم برعاية مصائب كاري وشي العظمى”.
تزداد فكرة الانفصالية شعبيةً، ويؤمن كثيرٌ من نشطاء الحرية بأن للناس الحقَّ في الانفصال وتحديد مسارهم الخاص طوعاً. وكان اختراع العملات المشفرة والبتكوين على العموم تصرُّفاً انفصالياً من خلال انتزاع النظام النقدي من أيدي الدولة. وقد قاتلت هونغ كونغ من أجل استقلالها لوقت طويل، ومعظم بلدان العالم متفقون مع تحرُّر المنطقة من أشكال الاستعمار القديمة في العالم الحديث.
وليست هذه أول مرةٍ تشهد فيها هونغ كونغ احتجاجاتٍ جماعيةً، لكن كلَّما زُعم أن الصين قد “رُوِّضت”، تتقدَّم بكين بتكتيكات أخرى. في 2003، حاولت الصين تقييد حرية التعبير والحرية النقابية، فنزل 500 ألف مواطنٍ إلى الشوارع احتجاجاً. وبعد سبع سنوات، أجرت الصين تغييرات على النظام الانتخابي تمنح بكين مزيداً من السلطة السياسية على هونغ كونغ. ثم في 2014، أعلنت بكين أنها ستفرض سيطرتها على انتخابات المدن، وبعد عامَين أزالت الصين المرشَّحين المؤيدين للديمقراطية من السباق الانتخابي. وعلى مدار السنوات الماضية، اعتقلت السلطات الصينية نشطاء الاستقلال في هونغ كونغ وخطفتهم.
وبسبب الإجراءات القمعية القاسية من الحكومة الصينية، يُرغم سكَّان هونغ كونغ على اللجوء إلى أية وسائل ضرورية لحماية أنفسهم من غزاتهم السافرين. وسواءٌ كانت أقنعة غاي فوكس أم تطبيقات مراسلة مشفَّرة، أم شبكات متداخلة، أم عملات مشفرة، يستعمل محتجُّو هونغ كونغ كل أداةٍ في متناول أيديهم للقتال من أجل نيل حريتهم.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة