يعد كلّ من فيتاليك بوتيرين، وزوكو ويلكوكس، وسايمون ديلا روفيير، وسانتياجو سيري من أبرز قادة قطاع تكنولوجيا البلوكتشين ومن أبرز الحضور والمتكلمين في اجتماعاتها حول العالم.
ولذلك لم يكن مؤتمر راديكال إكس تشينج RadicalxChange والذي عُقد في ديترويت مختلفاً عن بقية اجتماعات العملات المشفرة حول العالم. لكن برغم تشابه المدعوين إليه مع بقية المؤتمرات، كانت المحادثات مختلفة، إذ شهدت النقاشات حول نظرية العملات المشفرة أطروحات جدية حول التغيير المجتمعي اللازم من أجل تحقيق أقصى انتفاع من تلك التكنولوجيا.
ومن الجدير بالذكر أن مؤتمر راديكال إكس تشينج، بالرغم من ذلك، لم يكن مؤتمراً للعملات المشفرة.
وكان هذا المؤتمر الذي عقد في مارس/آذار الماضي، والذي تم تنظيمه بواسطة مؤسسة راديكال إكس تشينج، هو أول تجمع من نوعه للأفراد الذين ألهمهم كتاب غلين وايل وإيرك بوسنر المنشور في عام 2018 تحت عنوان “الأسواق الراديكالية” بواسطة مطبعة جامعة برينستون.
وبحسب تصريح جيف لي ياو، المدير التنفيذي لمؤسسة راديكال إكس تشينج، في كلمته الافتتاحية بالمؤتمر، فإن هذا الكتاب “قد لمس وتراً حساساً ووجد صدى لدى العديد من الناس. لقد أظهر لنا هذا الكتاب أن بمقدورنا إعادة ابتكار المؤسسات من أجل إصلاح مشاكل مثل عدم المساواة، وأن بمقدورنا بناء عالم أكثر ازدهاراً”.
وبدى أن هذه الرسالة قد لقت تجاوباً مع هؤلاء الذين يحاولون بناء اقتصاديات جديدة باستخدام العملات المشفرة والبلوكتشين، بحسب ما أفاد بوتيرين في كلمته الرئيسية بالمؤتمر.
وأعرب مخترع الإيثريوم عن قناعته بأن الحركات الهادفة إلى إعادة ابتكار النظام الاجتماعي من أجل تحسين المجتمع ككل ليست مختلفة عمّا تحاول بعض مجتمعات البلوكتشين والعملات المشفرة عمله منذ ظهور البتكوين في 2009.
وتحدث بوتيرين مطولاً عن التشابهات والاختلافات بين حركة السايفربانك وحركة راديكال إكس تشينج، إذ قال للحضور: “بشكل عام، هناك اهتمام بجعل العالم مكان أفضل، ونوع من المثالية، وحماس بخصوص الأفكار الجديدة، والتزام بالفعل والتجريب وليس التفكير والكلام وحسب، بالإضافة للعديد من الأمور المشتركة الأخرى”.
وبهذا الخصوص، أبدى مات برويت، الرئيس المشارك لمؤسسة راديكال إكس تشينج والمستشار السابق لشركة استثمار العملات المشفرة أمينتوم Amentum، موافقته التامة، حيث قال لكوين ديسك CoinDesk: “إن الارتباط بين الأمرين واضح بالنسبة لي. مبعث اهتمامي بالإيثريوم والعملات المشفرة مرده إلى أنها وسائل جديدة للتعاون والفعل الجمعي. إن الرؤية الخاصة بتوزيع مراكز القوى هي ما جذبني إلى البلوكتشين وهي ما ألمسه في راديكال إكس تشينج”.
بث الحياة في الأفكار
وشملت قائمة المتحدثين مدير النمو في منصة البلوكتشين المختصة بالهوية يوبورت uPort، جوشوا شاين، والزميلة البحثية في مؤسسة الإيثريوم إيفا بيلين، ورئيس النمو في الشركة الناشئة كومنويلث لابز Commonwealth Labs المختصة بحوكمة العملات المشفرة توم آيفي، والمؤسس المشارك لسجل واير لاين Wireline للحوسبة السحابية المعتمدة على البلوكتشين لوكاس غايغر؛ والذين أعربوا جميعاً عن موافقتهم.
وتأسست من وحدات راديكال إكس تشينج في أنحاء الولايات المتحدة بواسطة العاملين في مشروعات بلوكتشين. ويعتبر جوشوا شاين في سياتيل وتوم آيفي في ديترويت مثالين فحسب.
علاوة على ذلك، فإن العديد من الأفكار التي تبنتها حركة راديكال إكس تشينج يجري اختبارها وتجريبها على البلوكتشين.
وكان سيمون ديلا روفيير، المطور السابق في كونسنسيس ConsenSys والمؤسس لخدمة الموسيقى المبنية على الإيثريوم أوجو Ujo قد أطلق مشروع بلوكتشين فنياً طبّق فيه نسخة من ضريبة هاربيرغر Harberger Tax والتي رُوج لها في كتاب “الأسواق الراديكالية”.
ويمكن للقطعة الفنية الرقمية، المعروضة للبيع بشكل دائم، أن تنتقل إلى يد أكبر المضاربين في أي وقت. ومع ذلك، فإن مالك القطعة يتوجب عليه دفع ضريبة سنوية تقدر بـ 5% من سعر تلك القطعة.
وقال روفيير لكوين ديسك: “ستوفر تلك الضريبة مصدر رزق للفنان وقدراً معتبراً من المعرفة له بشأن حركة النقود من أجل أن يستمر في إنتاج المزيد من الأعمال الفنية”.
ومنذ إطلاقها، فقد تغيرت ملكية القطعة الفنية ثلاث مرات وتبلغ قيمتها الحالية 888 إيثريوم أو ما يعادل 120,000 دولار أميركي. ومع ذلك، فإن روفيير أكد لكوين ديسك أنه من المبكر الحكم بشأن مدى فعالية تلك الطريقة لبيع الأعمال الفنية.
ولكن المغزى هو أن تصميم تلك التجربة مستوحى من كتاب “الأسواق الراديكالية”.
وقال روفيير: “عندما قرأت الكتاب، وجدت العديد من الأفكار التي من الممكن أن تساعد الفنون. لقد كنت مُبتَكراً طوال عمري والشركات التي أسستها موجهة بالأساس للمبتكرين”.
ولا يعد ذلك المثال الوحيد على تجريب مناصري البلوكتشين للأفكار الواردة في كتاب وايل وبوزنر.
ومن ضمن الأمثلة الأخرى على ذلك التجريب هو ما تقوم به منصة الجوائز مفتوحة المصدر غيت كوين Gitcoin منذ فبراير/شباط الماضي بخصوص فكرة الراديكالية الليبرالية ذات رأس المال المقيد أو سي إل آر (CLR). تقوم فكرة سي إل آر على فكرة منفصلة تدعى التصويت التربيعي والتي تم تقديمها في كتاب “الأسواق الراديكالية” وتكرر ذكرها في ورقة بحثية كتبها بوتيرين، ووايل، وطالبة الدكتوراة في هارفارد زوي هيتزيغ.
في صميمها، تقترح دينامية سي إل آر طريقة لتوزيع أموال السلع العامة بشكل فعال بما يضمن أن ذلك التوزيع، بحسبما صرح بوتيرين، في مقابلة تفصيلية مع مذيعة أنتشيند Unchained لورا شين “متوافق عليه بشكل مشترك وليس محابياً لمنظمات بعينها”.
وكانت أولى تجارب سي إل آر والتي تمت بواسطة غيت كوين قد وزعت ما مجموعه 38,242 دولار أميركي على 26 مشروعاً مختلفاً في فضاء الإيثريوم. وبحسب التدوينة، فإن أكثر من 130 شخصاً قد شاركوا في تلك التجربة.
وشجعت تلك التجربة بعد ذلك جولات مستقبلية لسي إل آر مشابهة لتلك التي قامت بها غيت كوين، بالإضافة إلى توليد اهتمام أكبر في مجتمع الإيثريوم بديناميات التمويل التضخمي كتلك التي تم اقتراحها في اقتراح تحسين الإيثريوم رقم 1789.
وقالت إيفا بيلين، الزميلة البحثية في مؤسسة الإيثريوم لكوين ديسك: “لقد قمنا بعقد محادثات مع الأشخاص وثيقي الصلة بمنح مؤسسة الإيثريوم ومع برامج المنح الأخرى مثل منظمة مولوك اللامركزية المستقلة MolochDao بشأن احتمالية تجريبهم لسي إل آر”.
مجموعة طبيعية من الحلفاء
من الممكن، بدرجة ما، أن يعزى ذلك التجريب والاهتمام لدى بعض الأشخاص في مجتمع الإيثريوم إلى التعاون الوثيق والصداقة بين مؤسس الإيثريوم فيتاليك بوتيرين وبين مؤلف “الأسواق الراديكالية” جلين وايل.
ولكن على مستوى أوسع، فإن جوشوا شاين، مدير النمو في الشركة الناشئة المختصة بالهوية يوبورت، والمدعومة من كونسنسيس، قد أشار في حلقة نقاشية إلى أن مجتمع العملات المشفرة بشكل عام يعد “أكثر انفتاحاً للأنظمة الجديدة وأكثر تقبلاً لتغيير ديناميات التعامل مع العالم بالمقارنة بعموم الناس. ولذلك، فإنهم مجموعة طبيعية من الحلفاء. بداخل بيئة البلوكتشين، لديك اقتصاد متماسك وبالتالي يمكنك إعادة إنتاج الكثير من الأشياء تجريبياً بحرية لا تتوفر في العالم الخارجي إذ قد ينجم عن هذا التجريب نتائج ذات ضرر أكبر”.
ويبدو أن الإيثريوم أكثر تماشياً مع البلوكتشين خاصة بالنسبة للمطورين الذي يسعون إلى تصميم تطبيقات جديدة وغير مجربة، كتلك التي أشار إليها روفيير في تصريحه لكوين ديسك.
وقال بوتيرين، في تصريح لكوين ديسك: “أرى الكثير من الأشياء، مثل التصويت التربيعي، ضريبة هاربيرغر، والمزادات، كل تلك الأنظمة يتم وضعها على رأس البلوكتشين لأنها المنصة المناسبة لذلك”.
الاختلاف الأساسي بين الاثنين
في نفس الوقت، هناك معوقات رئيسية وأسئلة غير مجابة بخصوص البلوكتشين كتكنولوجيا وكحركة اجتماعية مما يخلق اختلافاً بين المجتمعين، بحسبما أشار بوتيرين.
وقال بوتيرين لكوين ديسك، إن الاختلاف الأساسي متعلق بالهوية، إذ يرى بوتيرين أن “أنظمة الهوية لها العديد من الوظائف المختلفة”.
فمن أحد النواحي، فإن تلك الأنظمة يجب أن تكون قادرة على ربط الملكية والفعل بفاعل محدد. وتقوم شبكات البلوكتشين بذلك بطرق متنوعة تتصل بتوثيق المفاتيح الخاصة بعناوين المحافظ التي تحوي العملات المشفرة مع مستخدم معين.
وتساءل بوتيرين: “كيف يمكننا قياس الإجماع؟ هل هناك إجماع حول إثبات العمل البرمجي ProgPoW؟ هل هناك إجماع حول تعافي التمويل؟ هل هناك إجماع حول تنفيذ إيجار التخزين؟”
كل تلك المواضيع جدية ويثور حولها الجدل في بلوكتشين الإيثريوم في الوقت الحالي، واختتم بوتيرين حديثه بالإشارة إلى أن بناء نظام هوية متعدد الوجوه على بلوكتشين هو أمر بالغ الصعوبة ولم يتم حله إلى الآن.
وأرجع وايل ذلك إلى أن البنية الصحيحة لبيانات نظام قائم على الهوية اللامركزية ليست موجودة بشكل جوهري على بلوكتشين.
وقال وايل لكوين ديسك: “أعتقد أن البنية الصحيحة للبيانات والتي قدمت بخصوصها الباحثة في مايكروسوفت نيكول إيمورليكا، هي ما أسميه بنية البيانات الاجتماعية البينية. إذا ما فكرت في يوم ميلاد والدتك باعتباره يوم ميلادها بالإضافة لكونه اليوم الذي ولدت فيه جدتك أول أبناءها. فذلك يعني أن هناك مجموعة كاملة من الأشخاص تعني لهم تلك المعلومة شيئاً مهماً بشكل مستقل عن بعضهم البعض. وذلك أيضاً صحيح فيما يتعلق بكل شيء تقريباً بخصوصك”.
وبذلك، فإن وجود بنية بيانات مرنة بحكم تصميمها لكي تقدر على استضافة كميات كبيرة من البيانات الشخصية التي يصفها وايل بأنها “علائقية” ومتصلة بمخازن بيانات أخرى، ستكون بالنسبة له خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح نحو بناء أنظمة هوية محسنة أكثر من البلوكتشين.
وقال وايل: “يصنع البلوكتشين استقطاباً بين السلسلة العامة ومفتاحك الخاص. أظن أن ذلك خطأ أوليات جوهري. أعتقد أن الأوليات الصحيحة تتمثل في شبكة أو ما يشبه أوليات متقاطعة مبنية على مجتمع”.
اختلافات في القيمة
وبينما يصر بوتيرين على أن “البلوكتشين تستطيع بالقطع أن تكون جزءاً من أنظمة الهوية”، فإن كلاً من بوتيرين ووايل يعترفون بوجود اختلافات واضحة في الطريقة التي يتم بها تقييم أنظمة الهوية بداخل حركة البلوكتشين وبداخل حركة راديكال إكس تشينج.
وقال وايل لكوين ديسك بخصوص أغلبية الأشخاص في فضاء البلوكتشين: “هناك الكثير من الهوس بالخصوصية. يملك الكثيرون تلك الفكرة بأنهم سيمتلكون بياناتهم الخاصة بهم وسيقدرون على بيعها لمن يرغبون في البيع له. تكمن المشكلة في تلك النظرة في أنها تتجاهل الكثير من العوامل التي تعد مهمة من وجهة نظر راديكال إكس تشينج والمتمثلة في أن أي بيانات متعلقة بك هي بيانات متعلقة بأشخاص آخرين أيضاً. لذا، هل يصح أن تستطيع بحرية، وبشكل مستقل تماماً، أن تقوم ببيعها؟”
وحتّى فيما يتعلق باللامركزية كقيمة، فإن وايل يظن أنه “من الخطأ” أن نربط هذا المصطلح بالفردية لأن، من وجهة نظره “الفردية والمركزية المكثفة هما وجهان لعملة واحدة. إن تنوع المنظمات المختلفة، على اعتبار أن التنظيم الجمعي ضروري، هو ما أسميه باللامركزية”.
في جوهر طرحه، فإن وايل يصر على أنه في الوقت الحالي “لا وجود لفكرة إنسان مستقل على البلوكتشين” وبدون ترسيم الإنسان، فإن النظام سيكون “معطوباً بشكل جوهري”.
اختلافات في التنظيم
ومن وجهة نظر تنظيمية، فإن وايل يأمل أن يتم، بشكل واضح، تحديد الفرق بين الطريقة التي بدأت بها الحركتان وكيفية نموهما.
وقال وايل: “إذا ما فكرت في نسبة الأشخاص الذين أصبحوا مليارديرات إلى الأشياء الفعلية (في فضاء البلوكتشين) التي تحدث على الأرض، فإن الاختلاف بين البلوكتشين وراديكال إكس تشينج يبدو واضحاً. لا وجود لأشخاص يصبحون فاحشي الثراء عن طريق راديكال إكس تشينج، وما يحدث في ذلك المجتمع هو تغيير مجتمعي”.
وبينما ينصب تركيز الكثيرين في فضاء البلوكتشين على تحقيق مستويات أعلى من التبني، فإن وايل صرّح بأن التبني ليس على صدارة أولويات راديكال إكس تشينج.
وصرّح لكوين ديسك: “تلك الأشياء تتحرك بسرعة أكبر مما كنت آمل لها أن تتحرك. لا أعتقد أن المشكلة في الوقت الحالي متعلقة بالتبني. المشكلة تكمن في التأكد أن التبني يحدث بإيقاع يسمح لنا بأن نفهم عيوب النظام وأن نحسنها”.
وبناءاً على ذلك، ومن وجهة نظر التكنولوجيا وعلى أساس القيمة، فإن كُلاً من وايل وبوتيرين يرون اختلافات تتسبب في أن تفترق سبل كُلأً من حركة البلوكتشين وحركة راديكال إكس تشينج.
وقال روفيير لكوين ديسك: “هناك قدر من التناغم بين الحركتين ولكن هذا التناغم ينبع من وجهتين مختلفتين”.
وبرغم الاختلافات، فإن كلا الحركتين، بحسب جوشوا شاين، مدير النمو في يوبورت، هما “نداءات للتحرك” تملكان ثقافتي تجريب متشابهتين و”تتصوران كيف ستعمل الأنظمة بشكل مرن”.
في نهاية الأمر، فإن الخليط المكون من روح عدم الانضواء التنظيمي والحماس لإيجاد حلول جديدة، هو ما يجعل المجتمعين يتحدان تجاه أهداف متشابهة، وليست متطابقة.
وصرّحت إيفا بيلين من مؤسسة الإيثريوم لكوين ديسك: “الجميع منفصل بقدر ما، ليس فقط عن ممثلي الوضع الحالي مثل البنوك، وإنما أيضاً عن الطرق التقليدية لتحقيق الأهداف. كل تلك الأمور هي طرق جديدة لفعل الأشياء، فلِمَ لا نجربها؟”
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة