عُدَّ التصويت القائم على البلوكتشين لمدة طويلة كدراسة استخدام للتقنية، ولكن مثل الحال مع أية تطبيقات وليدة فهناك عقبات في الطريق.
في الآونة الأخيرة، اُستخدم التصويت عبر شبكة البلوكتشين لتفادي المجادلات الحادة حول الحوكمة، أو في حالات أكثر تطرفاً مثل اشتقاقات الشبكات التي شهدتها النظم الإيكولوجية للبتكوين (BTC) والإيثريوم (ETH) في السنوات القليلة الماضية. وذلك إيماناً بأحقية حاملي التوكنات بالإدلاء بدلوهم في مستقبل مسار التقدم التقني بالشبكة.
وقد أجرت تطبيقات لامركزية (Dapps)، مثل تطبيق ميكر داو MakerDAO وتطبيق آراغون Aragon، بالإضافة إلى شبكات بلوكتشين كاملة، مثل التيزوس (XTZ) وكوزموس Cosmos، عدة دورات من تصويت حاملي التوكنات مُمكنة إياها من تفعيل تغييرات جوهرية على مستوى بروتوكولات مشاريعها.
وأيد أليكساندر كيريا، رئيس قسم المنتجات بمنصة خدمات التحري إيفرستاك Everstake، ذلك خلال حديثه مع محرر موقع كوين ديسك CoinDesk قائلاً: “أصبح السوق أكثر نضجاً، وكلاً من عملية التصويت والنقاش حولها خطوات هامة نحو اللامركزية. فالقدرة على التصويت والتأثير على تطوّر المشروع في حد ذاته ميزة مهمة”.
وفي الوقت ذاته، أثارت شواغل شائعة مثل انخفاض معدل المشاركة في التصويت وتصويت “الحيتان”، والمقصود به تحكم حامل توكنات واحد فعلياً بنتيجة التصويت، نزاعات داخلية حول الكفاءة الفعلية للحوكمة على شبكة البلوكتشين.
ويرى سانتي سيري أنَّ “المشكلة الجوهرية في التصويت القائم على البلوكتشين وحوكمة البلوكتشين اليوم هي إنَّها بلوتوقراطية بنسبة مئة بالمئة”. وسانتي سيري هو مؤسس منظمة Democracy Earth غير الهادفة للربح، والتي أطلقت توكن الحوكمة سوفرين Sovereign القائم على الإيثريوم.
وأخبر سيري موقع كوين ديسك أنَّ “الأمر يتوقف على من يمتلك الحصة الأكبر من التوكنات أو من يتمتع بثقل اقتصادي أكبر. أما حاملو التوكنات فليس لهم أية أهمية على الإطلاق في عملية صناعة القرار. فعملية التصويت بأكملها ليس لها معنى إذا ما كان حوت توكنات واحد يستطيع إملاء نتيجة الانتخابات”.
تصويت الحيتان
وتحدث لويس كويندي، الرئيس التنفيذي لمجموعة التطوير آراغون وان Aragon One، مع محرر كوين ديسك عن المخاوف المثارة حول تصويت الحيتان والذي تسبب في عكس نتيجة مُقترحين على الأقل من أصل تسعة مقترحات لحوكمة تطبيق آراغون القائم على الإيثريوم، مُخبراً إياه أنَّ الأمر ليس بمشكلة من وجهة نظره.
إذ قال كويندي: “لم تكن مفاجأة لي على الإطلاق. فالحوت الذي اشترى توكنات آراغون (ANT) لديه بطبيعة الحال حافز قوي لضمان نجاح المنصة. وليس لدي أية مشكلة مع امتلاكه لهذا القدر من سلطة اتخاذ القرار”.
فالمشكلة الحقيقية من وجهة نظر كويندي هي مسألة السيولة واتساق الدوافع.
فمع المستوى المرتفع من سيولة التوكنات، يستطيع مهاجم خبيث شراء قدر ضخم من توكنات منصة آراغون في لحظة واحدة، والتصويت بما يضر مصالح التطبيق، ثم بيع ما بحوزته من توكنات لاحقاً دون أية عواقب.
أما بتفعيل آليات “المزلاج” Lock كما يسميها كويندي، فيمكن للشبكات القائمة على تقنية البلوكتشين منح سلطة تصويتية أكبر لحاملي التوكنات الذين راهنوا بأصولهم على نجاح الشبكة لفترة زمنية طويلة.
“إذا ما اخترت تعليق توكناتك لمدة سنة أو لخمس سنوات، فستحصل على سلطة تصويتية أكبر مما إذا علقت توكناتك لمدة زمنية أقل. وهذا سيحفز الجميع للتفكير في المدى البعيد والمشاركة على المدى البعيد. سأكون أكثر ارتياحاً بكثير مع نظام تصويت حاملي التوكنات عند تفعيل مثل تلك الآليات”.
ويرى كويندي أنَّ هناك مجالاً للكثير من التجريب والتحسين بنظام تصويت حاملي التوكنات، لضمان نتائج تصويت أكثر عدالة بمرور الوقت.
ورغم ذلك، يُصر سيري أنَّ البلوتوقراطية بغض النظر عن هيئتها أو فاعليتها “لا تصلح لخدمة البنية التحتية العامة أو الصالح العام”.
إذ قال سيري: “هناك أمور ذات تأثير واسع على دوائر مختلفة وليس فقط على حاملي أسهم كيان واحد، بل يمتد تأثيرها إلى نطاق أوسع وأكثر تعقيداً من الاهتمامات. لذا لن تكون عملية صناعة القرار بلوتوقراطية الطبيعة أكثر الطرق فاعلية لتنسيق تلك المصالح”.
معضلة الحوكمة
ويعترف سيري أنَّ النماذج الديموقراطية من الحوكمة معقدة وفي أغلب الأحيان بطيئة أيضاً. وعلى الرغم من ذلك، فهو يزعم أنَّ نفس تلك الأسباب هي ما تجعل نماذج الحوكمة الديموقراطية أكثر شرعية في أنظار مستخدمي وحاملي أسهم شبكات البلوكتشين.
ويفسر سيري قائلاً، “يساهم توظيف النماذج الديموقراطية في توحيد المجتمع. ففي سياق شبكات البلوكتشين، تُعد الاشتقاقات أحداثاً سياسية شائعة. وإذا ما أردت وضع حد لها، فقد يكون تبني عملية صناعة قرار ديموقراطية للحفاظ على وحدة المجتمع هو الحل، مما يحفظ أعلى درجات الشرعية لنتيجة القرار الصادر عنها”.
في الوقت ذاته، تُسلط مثل تلك الأنظمة ضوءًا ساطعاً على مشكلة التحقق من هوية المستخدم، والتي لم تجد ألمع العقول في عالم العملات المُشفرة لها حلاً يمكن تبنيه على نطاق واسع حتى الآن.
إذ قال سيري: “ليس لدى أية من شبكات البلوكتشين طريقة رسمية للتعامل مع التحقق من هوية المشاركين والمُستخدمين. هذه المشكلة تنطوي على الكثير من التحديات في الواقع. فالهوية قضية مهمة في فضاء عالم البلوكتشين”.
وبما أنَّ نماذج نُظم الحوكمة الديموقراطية لشبكات البوكتشين ما زالت في مراحل البحث الأولية، يُصر كويندي أنَّ النظام البسيط المُعتمد على الأغلبية من حاملي التوكنات هو أفضل الحلول المتاحة لحوكمة شبكات البلوكتشين في الوقت الحالي، حتى وإنَّ لم يكن مثالياً.
وإنَّ يُقر كويندي في ذات الوقت بأنَّ النظام ليس بحل مناسب لجميع شبكات البلوكتشين، خاصة تلك التي ترغب في الاحتفاظ بكودها الأساسي دون تغيير.
وقال كويندي لمحرر كوين ديسك إنَّ: “هناك من يعتقدون أنَّه لا يجب أنَّ تحظى شبكات البلوكتشين بحوكمة ذاتية على الشبكة لتكون ثابتة غير قابلة للتبديل. بينما على الناحية الأُخرى هناك من يدافع عن النقيض، بحجة أنَّ البلوكتشين تقنية ناشئة ويجب إعطاءها فسحة للتطور. فهذا نقاش مفتوح حالياً”.
وضرب كويندي مثالاً بشبكات البلوكتشين المشابهة للبتكوين، فقال إنَّها لن تستفيد من آليات الحوكمة، إذ “لا يرغب أحد في مخزن قيمة قيد تغيير مستمر”.
على الجهة الأُخرى، يعتقد كويندي أنَّ بعض شبكات البلوكتشين الأُخرى في حاجة ماسة لمساعدة نماذج الحوكمة البلوتوقراطية، للتسريع من وتيرة عمليات صناعة القرار فيما يتعلق بعدة ترقيات مُخططة متكررة.
وقال كويندي، “إنَّه وضع مختلف تماماً في حالة بلوكتشين الإيثريوم. إذ أعتقد أنَّ شبكة الإيثريوم بحاجة إلى أخذ خطوات سريعة خاصة في السنوات القادمة، فهناك العديد من المنافسين يتربصون بحصتها من السوق. شبكة الإيثريوم بحاجة لاتخاذ قرارات سريعاً، وهناك طريقة واحدة لتحقيق ذلك. وهي تأطير آليات الحوكمة”.
إمكانات على المدى البعيد
ويؤمن كلاً من كويندي ولويس بأنَّ شبكات البلوكتشين لديها إمكانية تغيير وجه التواصل والتنظيم الاجتماعي جذرياً على المدى البعيد.
إذ أكدّ سيري أنَّ: “الوعود التي تمثلها تقنية البلوكتشين فيما يتعلق بنظم الحوكمة مهمة للغاية. فالقدرة على فحص التفاعلات الداخلية للعملية الانتخابية أو التصويتية دون الحاجة إلى تصاريح تُضفي قدراً هائلاً من الشفافية لعملية حوكمة أعدل”.
وأضاف جايك يوكوم بيات، الرئيس التنفيذي لمشروع ديكريد (DCR) المُنشق عن البتكوين، قائلاً: “اعتقد أنَّ الحوكمة في سياق العملات المُشفرة قضية مثيرة للاهتمام للغاية، إذ أنَّها تؤطر ما يصعب حتى الآن وضعه في إطار رسمي. فدائمًا ما تشكو القاعدة الانتخابية أنَّ عمليات التصويت والانتخاب ملفقة، ولكن بمساعدة خوارزميات التشفير فيسهل إثبات عدم حدوث تزوير أو تلفيق”.
ويؤمن ريتشارد براون، القائد المجتمعي بالتطبيق المالي اللامركزي الرائد ميكر داو، إنَّه بينما تمثل حوكمة البلوكتشين “معضلة صعبة” إلا أنَّها تُقدم أيضاً احتمالات فريدة لا تستطيع نماذج الحوكمة التقليدية مضاهاتها.
وأبرز براون مزايا توظيف نظم الحوكمة بشبكات البلوكتشين قائلاً: “أكثر ما يُثير اهتمامي هو عمليات المراقبة، والشفافية ورصد أنماط السلوك عبر الشبكة على مدار فترة زمنية طويلة بشكل ثابت”.
وتعليقاً على هذه النقاط، ختم كويندي حديثه قائلاً: “لا يقتصر الأمر حول حوكمة البلوكتشين فقط، وإنَّما هو حول طريقة تنظيم مفتوحة المصدر”.
مواضيع تهمك
هناك مواضيع أخري متعلقة